فتش عن الرجال في الصفوف الخلفية
شحاده أبو بقر
28-08-2015 08:13 PM
عجيب هذا الزمان، فهو لم يترك قول حكيم مبدع، إلا وجسده حقيقة على أرض الواقع وبوضوح تام، ومن ذلك مثلا , عنوان هذه العجاله، فالرجال الكبار حقا لا تصنعا، تجدهم في الصفوف الخلفية، فهم وبحكم التربية أصلا لا يتقدمون الصفوف وإنما تقدمهم الصفوف، عندما تكون قيم الصدق والإحترام والنزاهة هي العنوان السائد للحياة بكل تجلياتها , وبغير ذلك فلا مكان لهم إلا في الصفوف الخلفية.
القول الحكيم أعلاه يجسد واقع عرب اليوم بالذات، ليس على المستوى الرسمي وحسب , وإنما على معظم المستويات، فالعرب يتزاحمون على الصفوف ألأولى حتى في صلاتهم، ليس بحثا عن الاجر الاعظم غالبا , وإنما من باب الاعتداد بالنفس وإظهار الانفة، الانفة، ومن هنا تختلط الأمور حتى يغدو من الصعب على الباحث إستبانة الغث من السمين.
لا يمكن للصفوف ألاولى ان تستوعب الجميع، ولهذا يشتد التنافس بين من يستحق ومن لا يستحق , وهنا يتجلى دور اصحاب النفوذ الذين يطربون للنفاق حتى وهم يعرفون أنه نفاق ورياء، للاخذ بايدي المنافقين الذين لا يرون من مصالح البلاد والعباد سوى مصالحهم هم دون سواهم , فتراهم يتقدمون الصفوف ويقطفون ثمارها على حساب خلق الله , ممن تأبى عليهم أخلاقهم وكراماتهم الدخول في مزاد النفاق والتزاحم المجرد من كل قيمة جليلة سامية.
في زمن التكالب على الدنيا لا يجد الخيرون المبدعون مكانا وسط الزحام، فمعظم الامكنة إن لم تكن كلها , حكر على من تسابقوا وزاحموا من أجلها، والسبب الذي لا سبب سواه، هو غفلة عامة عن رقابة الله سبحانه , وإعتقاد بائس بان فهلوة المكر والنفاق مباحة وتستبيح كل ما هو حق للغير قبل الذات، وما درى الجمع البائس ان عقاب الرب جل في علاه في الدنيا والاخرة نازل لا محالة.
حقا , هذا الزمان، هو وبامتياز زمان البحث عن الرجال في الصفوف الخلفية لمن اراد الرجال الذين يتمتعون بقدر عال من كثرة ألحياء لا نقيضتها، وصادق الانتماء لا عكسه, ورجولة المواقف لا اشباهها، وصدق من قال فتش عن الرجال في الصفوف الخلفية، والله من وراء القصد .