مقلوبةٌ "رأساً على عَقِب". ..
28-08-2015 06:09 PM
الجمعةُ مقلوبةٌ "رأساً على عَقِب". هذا تعبيرٌ مِثْلَ مرآةٍ مُقعَّرةٍ، تلك التي درسنا عنها في علوم الابتدائية. الحالُ أنّ الجمعةَ الأردنيةَ غالباً مقلوبةٌ في البيوت. ثمةَ طناجرُ وقُدورٌ تحتفي بــ"المقلوبة".. الوجبةُ الأكثرُ شعبيّةً وحضوراً على موائد الاردنيين أيامَ الجُمع.
المقلوبةُ عندما هبطتْ من السَّمَاءِ مع المنِّ والسلوى كان اسمها "مقلوبةَ باذنجان". واختلفَ الرواةٰ في مكان الهبوط، غربَ نهر الأردن أم شرقه. أم أنها شاميةٌ. هذا موضعُ جدلٍ، ليس كــ"المنسف" المحسوم بأردنيته، والمتطور عن الثريد، وليس كــ"المسخَّن" الفلسطينيِّ الهوية والزيت والخبز والسمّاق، وخذْ لعاباً يسيلُ كجدول.
البدعةُ وكلُّ بدعةٍ تُطبخُ على نارٍ مستعرة حلّت بالمقلوبة منذُ أضافَ لها النَّاسُ البطاطا والقرنبيطَ، فأفسدوا نكهةَ الباذنجان القادمة من لذعةِ شمسِ الأغوار، ومن انخفاض السهول. النكهةُ الغامضةُ التي يختصُّ اللسانُ بتدليلها.
ما المقلوبة؟. انها فلّاحةٌ بسيطةٌ وجميلةٌ. الاطباقُ الشهيةُ أصلها ريفيٌّ، وأنا مسؤولٌ عن هذه النظرية. يُقلى الباذنجانُ في زيتٍ حارّ، بعدَ انْ يسحبَ الملحُ ماءه، ويُوضعُ في قاع القِدْر، يعلوهُ اللحمُ أو الدجاجُ، ثم الرزُّ، وثمةَ من يضعُ شرائح البندورة، في أسفل المكوّنات، وهذه بدعةٌ أيضاً، أشدُّ من الضلالة، ولا مكانَ لها الا في النار، وبئسَ المصير. هذه طريقتي. ولكل شيخٍ طريقة. هناك من يضعُ الباذنجانَ في منتصف القدر فوق اللحم.
يهدأُ الأرزُ، وينعسُ في الباذنجان واللحم والمَرقِ والبهار، فيتشكِّلُ في جوفِ الطنجرةِ قالبٌ متماسكٌ، يُقلبُ مرةً واحدةً، ويكونُ مِثْلَ كعكةٍ مستديرة. وحين يحدثُ انهيارٌ سريعٌ في البناء، فذلكَ عيبٌ في الطاهية، وعارٌ على الطاهي.
الصنوبرُ واللوزُ المُحمّصان يأخذان مشهدَ الكعكة إلى مستوى بصريّ آخر. ثم تبدأُ الملاعقُ في نهب الغنيمة، والنيل منها، حتى يدهم النومُ الجوعى، فتنتهي الجمعة.
هذه هي المقلوبةُ رأساً على عَقِب. وهي من الأسلحة التقليدية، وليست كــ"الباقلاء بالدهن" المُصنّفة دولياً، ضمن أسلحةِ الدمارِ الشامل. أيتها الصديقاتُ العراقياتُ، وأيها الأصدقاءُ العراقيون، ولي معها تجربةٌ وقصّة في عاصمة الدنيا بغداد .