أصبحت قضية اللاجئين العرب قضية مؤرقة لدول الاتحاد الأوروبي وأضحت من أكثر القضايا إلحاحاً على مستوى العالم، حيث تفرض نفسها على الاجتماعات الأوروبية بشكل دائم، من أجل البحث عن حلول قريبة المدى وبعيدة المدى، وبعض الزعماء الغربيين يحذر من أن قضية المهاجرين العرب الذين يفرون من مناطق النزاع الدموي، قد تصبح خارج السيطرة، ولذلك دعت المستشارة الألمانية دول الاتحاد الأوروبي إلى المسارعة نحو وضع استراتيجية أوروبية موّحدة في التعامل مع هذه القضية، بالإضافة إلى ضرورة توزيع العبء في الاستقبال، لأن بعض الدول تستقبل أعداداً كبيرة تفوق طاقة الدولة الاستيعابية، حيث أن المانيا لوحدها استقبلت (800) ألف طلب لجوء في عام (2015) وحده، وكذلك دولة المجر التي استقبلت (2100) مهاجر في يوم واحد.
قضية اللجوء العربية أصبحت قضية عالمية ساخنة بامتياز، تستحق التوقف العميق والبحث والدراسة، وتستحق قدراً أكبر من العناية وقدراً أكبر من الجهود المبذولة على صعيد الحل العربي والإقليمي والعالمي، والشيء الملفت الذي يدعو إلى الغرابة في هذا المجال أن الدول العربية التي تمثل الدائرة الأكثر عناية بوصفهم أصحاب القضية؛ لم تعقد اجتماعاً واحداً متخصصاً بهذه القضية على مستوى الجامعة العربية، وما زالت تتعامل مع القضية بطريقة بدائية أقرب إلى الفوضى، ونظام الفزعة منها إلى العمل المؤسسي المنظم القائم على فلسفة واضحة ورؤية بعيدة المدى، بعد أن تأكد لديهم أن أمد الصراع طال وامتد، وقد يطول ويمتد إلى عدة سنوات.
الدول الأوروبية الغنية تشكو وتئن من وطأة هذه المشكلة، فما بالك بدول عربية صغيرة تتعرض لعبء يوازي العبء العالمي كله في هذه المسألة مثل (الأردن)، التي تتعرض لحملات لجوء مكثفة من الشمال والشرق والغرب، دون أن نلحظ جهداً عربياً منظماً يملك القدرة على التخطيط الجماعي نحو استيعاب أبعاد هذه القضية المتفاقمة، دون إهمال بعض الجهود الخيّرة التي تقوم بها بعض الدول العربية وبعض المؤسسات الخيرية بكل تأكيد.
الجامعة العربية العاجزة عن القيام بمبادرات نحو التسوية، واجتراح الحلول بين الأطراف المتناحرة، فلا أقل من أن تقوم بجهود سلميّة إغاثية في هذه المسألة، وأن تسعى للتواصل المكثف مع الجهات والمؤسسات الدولية من أجل تنظيم عملية استقبال اللاجئين واستيعابهم، والأصل أن تعمل على صياغة استراتيجية عربية موّحدة في التعامل مع قضية اللجوء العربي، وأن يتم توزيع منظم لأعداد اللاجئين على الدول العربية بطريقة عادلة، تحفظ كرامتهم وتنظم وجودهم بطريقة مؤسسية منظمة على المستوى الإنساني والتعليمي والمعيشي، ريثما يعودوا إلى أوطانهم وديارهم معززين مكرمين.
قضية اللاجئين العرب تستحق مؤتمراً عالميا تحت إشراف الأمم المتحدة، وعلى جميع دول العالم أن تتحمل المسؤولية تجاه هذه القضية الإنسانية التي تفوق قدرة دول الجوار على استيعابها في ظل الأزمات التي تعاني منها على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى المائي والغذائي، حيث أن الجهود المبذولة ما زالت دون المستوى المطلوب على جميع الأصعدة ودون حجم الكارثة.
ما هو المنطق الذي يتحدث به أولئك الزعماء العرب الذين حولوا شعوبهم إلى جموع من اللاجئين؛ يطرقون حدود معظم دول العالم ، ويلقون بأنفسهم في مياه البحار والمحيطات فراراً بأرواحهم وأرواح أبنائهم، وما هي فصيلة الدم لأولئك النفرمن البشر الذين يمتهنون السياسة، وما زالوا غير قادرين على استيعاب معارك الفناء التي يقودها المتشبثون بكراسي العار والهزيمة.
العالم العربي الممتد على هذه الرقعة الواسعة من الأرض وهذه الشواطىء وبحور النفط، يتحول سكانه إلى قطعان من المتسولين على الحدود، وتحولوا إلى عبء ثقيل على البشرية، في ظل زعامات أشبه برجال العصابات الذين يتقنون تدمير أوطانهم وإفراغها من كل معاني الحياة.
الدستور