أمام الفرصة التاريخية الأخيرة
محمد كعوش
27-08-2015 04:27 AM
نرى ونسمع ونقرأ ان الكل يريد ضرب تنظيم داعش. والكل ، في الشرق والغرب ، يدعو الى محاربة التنظيم والقضاء عليه. ولكن اللافت ان التنظيم ، الذي يمارس كافة انواع العنف والارهاب ، ما زال على قوته يتمدد ، ويوسّع من دائرة نفوذه وسيطرته ، حتى امتد حزام النار الداعشي من المحيط الى المحيط ، من اقصى يسار الى قلب اوروبا. فقد وصل نشاطه الارهابي الى مناطق ،عربية واسلامية وغربية ، كنا لا نتوقع ظهوره وتواجده فيها بهذه السرعة والسهولة.
الثابت ان التنظيم بذاته ليس بهذا الحجم الشمولي الكوني، ولا يملك هذه القدرة على الحركة الجوالة. ولكن الذي حدث ان كل من يعتنق عقيدة العنف ، وكل غاضب يعشق الاثارة ، وكل محروم ينتمي الى حزام الفقر ، وجد في الانتماء الى هذه العائلة الاممية المسلحة شيئا من الامل في تحقيق العدالة الغائبة ، او الحصول على مكاسب تمناها ، في ظل انظمة تتحدث عن الاصلاح في حين ينخرها الفساد ، وبذلك تحول التنظيم الى تيار واسع وفكرة اممية ، بدعم مشبوه.
من هذا الواقع المعتم المطل على صحراء مدمرة ، ومن هذه المحطة المقلقة المخيفة ، انطلق قطار العنف والارهاب والفوضى والتخريب ، يدمر الحياة ، ببشرها وحجرها وحضارتها وجمالياتها ، وقد يكون لقادة هذا التنظيم اجندات وارتباطات بجهات خارجية تسعى الى تفكيك الدول العربية وتخريب نسيجها المجتمعي ، وطمس الهوية القومية العربية ، بهدف اخراج امتنا من التاريخ ، واعادة بلادنا الى القرون الوسطى ، ومحاصرتها داخل دائرة الهيمنة والتبعية ، وحسب مقولة الثائر الكوني تشي غيفارة: البلاد الجاهلة يسهل التلاعب بها.
امام هذا المشهد ، بتطوراته وتفاصيله ، نسأل: من يمول هذا التنظيم ، ومن يمده بالسلاح والرجال ، ومن يدعمه اعلاميا وسياسيا ، بطرق سرية ومعلنة ؟!
في الظاهر والعلن ، تعالت الاصوات من كل حدب وصوب تدعو لاعلان الحرب على الارهاب ، وضرب التنظيمات الارهابية وفي مقدمتها «داعش » ، والذي تحب وسائل اعلام معينة ان تسميه باسمه الرسمي (تنظيم الدولة الاسلامية ). ولكن ما زلنا نسمع جعجعة ولا نرى طحنا. الولايات المتحدة التي تقود الحرب الدولية على الارهاب تراجعت خطوتين الى الوراء بحجة ان القضاء على التنظيم يحتاج الى حرب اكبر ومدة زمنية اطول ، وبذلك تم التمديد لوجود داعش في المنطقة ، اي منح التنظيم وقتا اضافيا.
الحقيقة ان الولايات المتحدة ، المشغولة بالانتخابات الرئاسية ، غير جادة في حربها ضد داعش ، ويشجعها الحلفاء ايضا ، بحجة ان المستفيد من القضاء على «التنظيم» هو النظام السوري ، وربما ايران ايضا التي تسعى الى توسيع مجالها الحيوي في المنطقة. ولكن التراجع الاميركي في المنطقة ، وهذا الموقف الرخو الهلامي العامض ، اعطى فرصة ذهبية للحراك الروسي ، وصعود دور موسكو من اجل القيام بدور سياسي مؤثر ، والعمل على مواصلة جهودها الدبلوماسية لتفعيل الحوار بين اطراف الصراع في سوريا ، بهدف وقف القتال والتوصل الى حل سياسي للازمة.
وفي النهاية ، نرى ان على الاطراف العربية المعنية والمتورطة في القتال داخل سورية وخارجها ان تلتقط الفرصة التاريخية بعقلانية وحكمة ، وتشارك في الجهود الرامية الى ايجاد حل سياسي مقبول يحمل الخلاص للجميع ويكون فاتحة لمرحلة اصلاحية حقيقية على قاعدة العدالة والمشاركة ، قبل الطوفان .. كفى !
الرأي