facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




أولاد الشـوارع


بلال حسن التل
26-08-2015 05:04 AM

أولاد الشوارع: مصطلح يطلق في الأغلب الأعم على تجمعات الأولاد المشردين المنفلتين من كل عقال ورابطة، وأولها الرابطة الأسرية، فجُلُّ هؤلاء الأولاد يكونون في العادة ممن لا أسر لهم، وهؤلاء الأولاد مثلما هم منفلتون من كل عقال، فإنهم منفلتون من كل انتماء؛ فلا انتماء للأسرة، أو المدرسة، أو المؤسسة، أو المجتمع.. بل على العكس من ذلك، فإنهم في الأغلب الأعم يحملون نظرة معادية للمجتمع ولمؤسساته جميعها.

وهم يعتبرون ان كل شيء مُباح لهم؛ لذلك فإنهم يستسهلون السرقة ويستسهلون النهب، والتخريب، بل ويستسهلون القتل لأتفه الأسباب. فكم من مرة اكتشفت أجهزة الأمن أنَّ واحدًا من أبناء الشوارع قتل سيدة أو رجلاً، لمجرد سرقة بضعة دنانير في هذا البلد أو ذاك من البلدان التي ابتليت بظاهرة أولاد الشوارع، التي تكاد تكون ظاهرة عالمية لا يخلو منها بلد، ولكن بنسب متفاوتة.

صورة أولاد الشوارع وسلوكهم استدعتها إلى مخيلتي صور الدمار والتخريب الذي ارتسمت في غير بلد عربي ابتلي بما صار يُعرف ظلمًا وبهتانًا «بالربيع العربي «والربيع منه براء، فالربيع هو فصل الجمال والوداعة والهدوء، بعكس هذا الذي نشهده من قتل وتدمير وصخب في البلدان العربية التي ابتليت بما ابتليت به منذ عام 2011، ابتداء من تونس وانتهاءً بسوريا من تدمير ونهب وسلب وقتل وانفلات من كل عقال ورابطة، وكلها تذكرنا بأولاد الشوارع وتصرفاتهم وخطرهم على المجتمع وعلى تماسكه، وعلى أمنه وسلمه الاجتماعي.

ومثلما تذكرنا صور التصرفات التي تشهدها بعض بلاد الربيع العربي من قتل وتدمير ونهب وسلب بتصرفات أولاد الشوارع، فإن انتماءات بعض المنخرطين في مثل هذه الأعمال تشبه أيضًا انتماءات أولاد الشوارع، فالكثيرون منهم ليسوا عربًا، والكثيرون منهم بلا أسر، والكثيرون منهم أميون أو أنصاف أميين، ومع ذلك يتصدرون للفتوى فيكفّرون هذا، ويقتلون ذاك على الهوية، ويتصدرون لتغيير هوية المجتمع وثقافته، وحضارته.

ومثلما أن أولاد الشوارع هم إفراز الفقر والجهل والإحساس بالذنب، فإن التطرف الذي يقود إلى التكفير، الذي تعاني منه بعض بلداننا جراء «الربيع العربي»، هو كذلك إفراز هذه الآفات الثلاث. فأي بلاء يحمله هؤلاء للبلدان التي أصيبت بدائهم! وتخيلوا أي مجتمع يبنيه أولاد الشوارع لو صار إليهم الأمر في أي بلد من البلدان. ثم من قال إن الشارع هو الذي يجب أن يقود وأن يقرر؟ فالأصل هو ان يكون الشارع أحد أدوات الضغط والتعبير عن الرأي، بتوجيه وترشيد وقيادة أصحاب الرأي والتجربة والخبرة، لا أن ينقاد هؤلاء للشارع على قاعدة «الجمهور عايز كده» التي أفسدت الذائقة الأدبية، والفنية، وهبطت بالمستوى الثقافي والفكري للأمة.

فإذا آل الأمر للشارع، وصار هو القائد والمقرر، أصبح الناس فوضى لا سراة لهم، وسادت عقلية القطيع، واختلط الحابل بالنابل. وهو بالضبط ما نراه في غير بلد عربي.. فممارسات أولاد الشوارع التي نراها على شاشات الفضائيات، منقولة من بلدان «الربيع العربي» تؤكد ما ذهبنا إليه منذ اندلاع البدايات الأولى للتطورات التي شهدتها بعض بلادنا، ابتداءً من تونس.. فيومها قلنا إن ثورة بلا قيادة تظل أمرًا مشكوكًا به، وثورة غير واضحة الهوية الفكرية تظل مثيرة للريبة، وثورة تغيب عن تحريك مساراتها النُخب، وتسلم قيادتها للمجهول وفي أحسن الأحوال للغوغاء، يجب أن نُعيد النظر فيها، وثورة يسهل سرقتها والتلاعب بها لا يجوز أن نبني عليها آمالاً بالتغيير، وثورة تكون أول وسائلها القتل على الهوية والنسف والمفخخات، وأول وأوضح نتائجها التدمير، وأعظم أهدافها التكفير، وانضج ثمارها إلهاء الأمة عن عدوها الرئيس بالفتن المذهبية والطائفية، يجب أن نُشكك بها ونعلن براءتنا منها.

الرأي





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :