يحلو للكثيرين أن ينسبوا كل الاحداث الكبرى للسياسة الأميركية. تقلبات أسعار البترول في الأسواق العالمية ليست استثناء من هذه القاعدة ، فإذا انخفض سعر البرميل قيل أن أميركا تريد ضرب اقتصاديات روسيا وإيران ، وإذا ارتفع سعر البرميل قيل أن الهدف ضرب اقتصاديات الصين واليابان وأوروبا.
الواقع أن أميركا قد لا يكون لها يد في إحداث الهزة النفطية الراهنة ، فهي تكاد تكون مكتفية ذاتياً في مجال الطاقة ، وليس بها حاجة ماسة لاستيراد البترول أو تصديره ، سواء كان رخيصاً أم غالياً.
الصانع الحقيقي لأسعار البترول العالمية اليوم هو السعودية ، فهي أكبر مصدّر للبترول في العالم ، وبيدها
إذا شاءت أن ترفع الأسعار بتخفيض إنتاجها ، أو تخفض الأسعار بزيادة الإنتاج وغمر الأسواق.
السعودية متضررة في المدى القصير من الانخفاض الراهن لأسعار البترول العالمية ، لدرجة أنها مضطرة لسحب مليارات الدولارات من احتياطياتها السابقة. كما أنها على وشك إصدار سندات دين بمبالغ طائلة لتسديد عجز الموازنة ، والاستمرار في تنفيذ المشاريع المقررة.
لماذا إذن لا تتدخل السعودية وتخفض الإنتاج فيرتفع السعر؟ هذا الخيار يعني أن تتحمل السعودية وحدها العبء لمجرد رفع إيرادات جميع الدول الأخرى المصدرة للنفط والتي ليست على استعداد لتخفيض إنتاجها بل ربما زادته لتعويض انخفاض السعر علماً بأن ما تستفيده من رفع السعر يضيع من خفض الكميات المصدرة.
من ناحية أخرى كان وزير النفط السعودي التاريخي أحمد زكي اليماني يقول لا نسمح برفع سعر البترول لدرجة تجعل البدائل مجدية.
البترول السعودي كان مهدداً بالخطر بسبب البدائل ، وفي مقدمتها استخراح النفط من الصخر الزيتي ، واللجوء إلى مصادر الطاقة المتجددة. انخفاض أسعار البترول سدد ضربة قد تكون قاضية لنشاطات البدائل التي فقدت جدواها عند السعر الحالي ، وأصبحت مهددة بالإفلاس والتصفية. فالمقصود في هذه الحالة إبقاء النفط المصدر الرئيسي للطاقة ، وهذا قرار استراتيجي يخدم مصلحة السعودية في المدى البعيد.
أسعار البترول العالمية تتعرض لنكسة بعد أخرى لأن الدول المصدرة للبترول تحاول زيادة كميات التصدير للحفاظ على حجم إيراداتها وتعويض خسائر فروقات الأسعار.
يذكر أن الاحتياطات النفطية للسعودية ليست مهددة بالنضوب خلال المائة سنة القادمة ، مما يوفر للسعودية مساحة واسعة للتحرك بحرية.
الرأي