القاضية والعين تغريد حكمت تروي لـ عمون: 5 قرارات إعدام
25-08-2015 01:49 PM
* لا مبرر لمحاسبة الصحفي على قانون منع الارهاب
* الأردن انتقل إلى العدالة الانتقالية
* حاكمت القادة العسكريّين وقائد الجيش ومدير الأمن ووزير الدفاع في رواندا
عمون - محمد الصالح - ضربت مثلاً بالمثابرة والإصرار على النجاح فلم يثنها عن اهدفها انتقاد غير بنّاء أو اعتراض لأغراض شخصية او ظروف حياتيه لا يكون للانسان فيها اختيار.
القاضية العين تغريد حكمت التي تحب رسم العدالة كما تحب هوايتها فن الرسم، حملت شعارين في حياتها "العدالة" و"الأمومة فوق كل الطموحات"..
العين حكمت التي واجهت جميع الصعوبات طوال خدمتها في القضاء 37 عاما للوصول إلى طموحها دون ان يكون على حساب بيتها أو مبادئها، فأعطت الأولوية للأمومة والبيت وكان زوجها السند الحقيقي الذي رافقها في رحلة عمرها إلى أن تزوج ابناؤها الثلاثة (فتاتان وولد) والذين سلكوا طريقا عمليا مختلفا عن والدتهم القاضية.
تروي حكمت في حوارها مع "عمون" بدايتها العملية العائلية وتقول :"تفوقت في الثانوية العامة والدراسة المدرسية ولكن لعدم وجود الفرع العلمي حينها إلا في عمان وانا واهلي سكان الزرقاء اضطررت الموافقة على دراسة الفرع الأدبي ومع ذلك تفوقت به".
منذ البدايات كانت تواجهها مصاعب فبعد أن وافق والدها على دراستها من خلال بعثة إلى الجامعة الأمريكية بيروت في لبنان لسوء الحظ توفي والدها، ما دفع بأسرتها الغاء سفرها.
تقول حكمت "أول خطوة تغيرت في حياتي لأن حلمي منذ ان كنت طالبة في المدرسة أن اكون محامية، لكن لأن التوجيهي كان له قيمته في تلك الفترة كانت الحكومة تعين المتفوقين في الثانوية كمعلمين في التربية والتعليم وهو ما فعلته فعلا مع انني اجيد الرسم والنحت".
لم يثنِ حكمت أي صعوبة من الصعوبات لإيمانها بأن الاصرار على النجاح يؤدي إليه فالتحقت بسلك التربية والتعليم الذي تعتبرها المهنة الافضل للرجال الشرقيين بالنسبة للمرأة ثم تزوجت إلى أن حصلت على البكالوريوس بالحقوق من جامعة دمشق وفي فترة الجامعة انجبت طفلين وانشغلت ايضا بتربيتهما لتكون اسرتها الصغيرة.
ولحبها لأسرتها ولعائلاتها تقول :"اجّلت في تلك الفترة ممارستي للمحاماة التي تحتاج لساعات عمل طويلة خارج البيت، ولأنني مقتنعة أن الأمومة فوق كل الطموحات مع ان اخوتي لديهم مكتب محاماة، إلا أنني آثرت أن اربي اولادي حتى يكبروا إلى أن بدات بممارسة مهنتي التي احببتها وهي المحاماه في عام 1982".
* بدايات مشوارها في المحاكم
وكان عام 82 من القرن الماضي البداية الحقيقية للعين حكمت في عالم المحاكم وحددت هدفها منذ تلك اللحظة التي سألها أحد الصحفيين عن طموحها في دخولها إلى المحاكم فقالت له "طموحي أن اكون أول قاضية في الأردن وهو ما تحقق بمشيئة الله بعد مرور 14 عاما من هذا السؤال الصحفي.
وتضيف حكمت "دخلت المحاكم كمحامية في زمن كان عدد المحاميات الممارسات في ذلك الوقت، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وثقة الرجل في المرأة ضئيلة، من الصعب أن يسلمها مصيره المادي أو المعنوي".
وتقول "كانت المرأة تبحث عن حقوقها فكيف تعطي الآخرين حقوقهم، وهي لم تأخذ حقوقها بمعنى فاقد الشيء لا يعطيه"، خصوصا أن المحاكم هي اماكن كانت حكرا على الرجال حينها.
وتشير إلى انه لم يكن المحامي يرتدي ثوبا داخل المحكمة وكان يغضبها كثيراً أن تلتقي بأحد المعارف في قاعات أو أروقة المحاكم، فيبادرها بالسؤال: "خير، محتاجة مساعدة؟"، ليشعرها بأنها موجودة في مكان لا يناسب المرأة".
وبعد 14 عاما من العمل والمثابرة والاجتهاد في جو ذكوري لا يستسيغ وجود المرأة في المحاكم عينت أول قاضية في تاريخ المملكة الأردنية الهاشمية بعد منافسة 5 محاميات وقتها على أن تكون مدة التعيين عاماً ونصف العام وبالطبع لم تخلُ من الرقابة للأداء من قبل الجميع، إلى أن وصل بعدها عدد القاضيات اللواتي فتح تعيينها لهن الباب إلى أكثر من 250 قاضية.
وتستشهد حكمت بالتاريخ الاسلامي في السماح للمرأة في دخول القضاء وتقول :"قال رسول الله عليه الصلاة والسلام خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء وهو قاصد سيدتنا عائشة"، كما أنه في زمن سيدنا عمر بن الخطاب عين قاضية اسمها الشفاء قاضية للحسبة أي القضاء المدني التجاري".
* قصتها مع الأستاذ الجامعي
عن معارضة بعض الرجال لوجودها في السلك القضائي تقول :"في احدى المحاضرات التي شاركت بها في الجامعة الأردنية في عام 1997 اعترض كلامي استاذ جامعي وقال "المرأة لا تصلح للقضاء لأنها عاطفية"، فقلت له العاطفة ليست صفة سيئة تتنصل منها المرأة وانما هي ميزة ميزها الله بها عن بقية المخلوقات والمرأة القوية وذات القرار العادل والمدروس ليست هي التي لا يرف لها جفن أمام قضايا الناس وحقوق الانسانية، وانا عاطفية وسأدخل العاطفة إلى القضاء خاصة قضايا الأحداث والقلب لم يخلق بين جانبي الانسان عبثا".
* أول قاضية عربية ومسلمة في القضاء الجنائي الدولي
وتقول حكمت :"بدأ الطموح يكبر للالتحاق بالقضاء الدولي ففي عام 2003، رشحني وزير العدل الأسبق فارس النابلسي للمنافسة على عضوية المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، إلا أن الدنيا قامت ولم تقعد من كثرة المعترضين على ترشيح الوزير النابلسي لأنني امرأة، إلى ان تم تنسيب 12 مرشحاً من الأكاديميين والدبلوماسيين والقضاة والمحاميين إلى جلالة الملك عبد الله الثاني الذي كرمني واختارني كمرشحة للأردن للمنصب".
وتضيف "اكتشفت أن اسمي غير موجود في اسماء المرشحين في الأمم المتحدة، حتى أن وزير الخارجية الأردني وقتها مروان المعشر تحجج وقتها بأن الوزارة لم تتمكن من الوصول إلى عنوانها، ما أدى إلى ضياع المنصب الذي طالما حلمت به".
وتؤكد ان نصيبها لم ينقطع في العمل الدولي لهذا وجه مندوب الأردن حينها في الأمم المتحدة سمو الامير زيد بن رعد كتاباً واضعا فيه عنواني لوزارة الخارجية حتى لا يتكرر الموقف الأول.
وتقول العين حكمت :"فعلا ترشحت لمنصب قاضية في المحكمة الجنائية الدولية في رواندا، فرُشحت للمنافسة، وتم ترتيب برنامج خاص لي في نيويورك هناك، والتقيت 80 بعثة دولية من أجل تأييد ترشيحي، وحصلت على عضوية المحكمة. واصبحت أول عربية تحصل على عضوية المحكمة، ما أتاح الفرصة للأردنيين بشكل خاص والعرب بشكل عام، المشاركة في تطبيق القانون الدولي الإنساني والجنائي، وإرساء قواعد حقوق الإنسان ليس فقط في منطقتنا بل على مستوى العالم".
وحصلت على 40 صوتاً من دول المؤتمر الإسلامي، و21 صوتاً من الدول العربية لأنني كنت العربية الوحيدة المرشحة، بالنتيجة وبجهودها وبجهود البعثة الأردنية في نيويورك حصلت على 152 صوتاً، ثاني أعلى أصوات بين 18 قاضياً انتخبوا من العالم. بفارق صوتين عن الأول الإيطالي.
وتقول :"ذهبت للعمل في المحكمة الجنائية في رواندا وامضيت فيها 9 سنوات في مبنى يوجد فيه 160 موظفاً من الأمم المتحدة و18 قاضياً من مختلف دول العالم.
وتشير إلى أن وجودها في المحكمة ساعدها على الاختلاط بالثقافات المختلفة ولتسعى إلى تطبيق مبدأ "احلال ثقافة المسؤولية بدل ثقافة الحصانة".
شاركت في العديد من المحاضرات في مختلف دول العالم حول القانون والقضاء وحقوق الانسان، كما حاولت ايصال الصورة الحقيقية السمحة عن الدين الاسلامي الحنيف.
وحازت على جائزة النساء المتميزات في القانون الدولي اعترافا بمساهمتها في القضاء الأردني ومحكمة الجنايات الدولية. وهي رابع امرأة في العالم تمنح هذه الجائزة عن مسيرتها.
* ابرز قراراتها في المحكمة الدولية في رواندا
وعن اهم القرارات التي اصدرتها طوال خدمتها في المحكمة الدولية تقول حكمت :"أمضيت 9 سنوات في رواندا، أصدرت خلالها قرارات مهمة وتاريخية ضد القادة العسكريّين وقائد الجيش، ومدير الأمن، ووزير الدفاع، ومدير العمليات ممن أعطوا الأوامر بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وتراوحت الأحكام بين السجن 25 إلى 30 عاما. كذلك، أصدرت أحكاماً بحق اثنين من القساوسة، أمر أحدهما بهدم كنيسة بعدما احتمى فيها 12 ألف شخص، فيما شجع الآخر على هدمها".
* اكثر قضية عالقة في ذهن القاضية حكمت في رواندا
"إلا أن أكثر قضية بقيت عالقة في ذهني، هي محاكمة أمين العاصمة في رواندا وهو لم يرتكب جرائم، لكنه اعترف بذنبه واعتذر لأنه لم يسع إلى منع الجرائم التي كان يرتكبها مساعدوه، معلناً أنه فقد إنسانيته خلال الحرب وقد حكمت عليه بالسجن 11 عاماً".
* رفضها للعمل كرئيسة لمحكمة الجنايات الكبرى وقصتها مع "الاعدام"
بعد انتهاء عملها في المحكمة الدولية عرض عليها تسلم منصب رئيسة محكمة الجنايات الكبرى في الأردن، إلا أنها رفضت التعيين لأنه سيلزمها إصدار عقوبة الإعدام.
وتستذكر أنها شاركت خلال حياتها المهنية في الأردن، وقبل المحكمة الدولية، بكتابة 5 قرارات إعدام وتقول "كنت في كل مرة أكتب فيها قراراً، استيقظ مراراً خلال الليل، وأراجع ملف القضية، على أمل الوصول إلى مخرج آخر لتلافي العقوبة. كنت أدرك مدى صعوبة أن أقرر إنهاء حياة إنسان.
وترى ان الأشخاص الذين يملكون السلطة قادرون اكثر من الضعفاء على تقديم الوثائق والشهود، لهذا قد يذهب شخص في قضية اعدام بسبب ضعفه.
وتقول:" كيف اصدر احكاماً بالاعدام وأنا أعمل على إلغائها، لهذا قدمت استقالتي من العمل الحكومي وكرمني جلالة الملك بأن اكون عضوا في مجلس الاعيان الحالي.
* معركتها مع مرض "السرطان"
تقول حكمت :"ايمانا مني بأن الحياة يجب أن نتقبلها بحلوها ومرها، وأن الله سبحانه خلق لدى كل إنسان طاقات ذاتية إذا أحسن استخدامها يستطيع أن يتغلب على الصعاب واجهت مرض السرطان".
وتضيف "فضلت بالرغم من أنني لدي تأمين صحي أستطيع المعالجة في أمريكا أو بريطانيا، لكنني فضلت المعالجة في الأردن في المدينة الطبية إيماناً بتقدم الطب في الأردن".
وتشير إلى انها كانت تحضر إلى عمان بعد العملية لمدة أسبوع لأخذ "الكيموثيرابي" ثم تغادر إلى تنزانيا، ثلاث طائرات ذهاباً وثلاث طائرات إياباً وتكمل المحاكمات لمدة أسبوعين حتى أكملت 12 جلسة.
وتؤكد انها لم تشعر أطراف الدعوى بأنها مريضة حتى لا يبدأ التحدث عن أهلية القاضي.
وتضيف :"كان بإمكاني أخذ إجازة ستة أشهر ولكني استمررت في العمل، حتى لا يعين قاض آخر مكاني في قضية
تعتبر من أهم القضايا لي في المحكمة ويصدر الحكم باسمه، بعد خمس سنوات من العمل في القضية وأنهيت القضية، وتحديت نفسي وترأست المحكمة الجنائية الدولية، وأصدرت قراراً ضد أحد كبار رجال الأعمال الذي ساعد أحد القساوسة في هدم الكنيسة وداخلها حوالي 2000 شخص".
* الجمعية الأردنية لمكافحة الاشكال الحديثة للعبودية
وتشير إلى انها اسست الآن الجمعية الأردنية لمكافحة الأشكال الحديثة للعبودية، لوجود انواع جديدة من الرق في العصر الحديث.
* الأردن والربيع العربي
تعتقد العين حكمت أن الأردن انتقل إلى العدالة الانتقالية ولم يسلك ما سلكته الدول التي مرت به الربيع العربي.
وتشيد بالقيادة الهاشمية التي تعمل على الانتقال من النظام الشمولي إلى الديمقراطية وبالحوار والنقاش.
وتضيف :"الأردن لم يستخدم العنف في التعامل مع مطالب الشارع الاصلاحية حتى انه انشأ المحكمة الدستورية واجرى العديد من الاصلاحات دون نزول قطرة دم واحدة".
* رأيها بالكوتا وبقائها
تعتقد العين حكمت أن الكوتا وجدت عندما كانت انجازات المرأة قليلة والتحديات التي تواجهها كثيرة، وتؤكد أنها بمعية سمو الأميرة بسمة والناشطات طالبن في الكوتا في تلك الفترة.
وتشير إلى أن اقرار الكوتا مضى عليه 20 عاما والمرأة حققت خلالها العديد من الانجازات التي مطلوب البناء عليها حتى ان المرأة اصبحت في مجلس الامة بشقيه الاعيان والنواب ووصلت إلى الوزارة ومراكز قيادية في المؤسسات الحكومية، لهذا لم يعد وجود مبرر لها الآن.
وتنصح فتيات الجيل الحديث وتقول :"هناك حقوق وواجبات وبأداء الواجبات تحصل الحقوق"، اضافة إلى المحافظة على الانجازات والبناء عليها.
* وجود وزارة للمرأة أو لجنة وزارية
تقول حكمت :"لا يوجد مبرر لوجود وزارة للمرأة في الأردن ولا لجنة وزارية لها، لأن المظلة الرسمية لشؤون المرأة موجودة وهي اللجنة الوطنية لشؤون المرأة".
* المادة 308
تطالب القاضية حكمت بان يتم أخذ كل حالها على حدة ومعالجتها لأن لكل قصة معطياتها ولا يجوز تعميم الموضوع ومنع تزويج الفتاة من مغتصبها.
وتبرر وجهة نظرها وتقول:"لا أحد يستطيع ان يجزم أنها ستكون سعيدة اذا لم تتزوجه وقد تكون عرضه للقتل من ذويها في حال لم تتزوج الشاب الذي اعتدى عليها، واذا حدث حمل سيكون هناك مشكلة قائمة ايضا سواء تم الزواج ام لا يتم".
* محاسبة الصحفيين بناء على نصوص قانون منع الارهاب
لا تؤيد القاضية حكمت تطبيق قانون منع الارهاب ونصوصه في محاسبة الصحفيين، وتشير إلى أن الصحفيين يحاسبون استناد إلى قانون المطبوعات والنشر.
وتضيف :"انتقلت الآن من مطبّق للقانون لمشرع له ولا اجد مبرراً لمحاسبة الصحفي على هذا القانون وهو منع الارهاب".
وتعتبر ان الصحافة سلطة مهمة والصحفي عندما يكون مسؤولا عما يكتب ينشر ما هو صحيح من معلومات للكافة ويرسي دعائم السكينة والطمأنينة.