طالعتنا وسائل الإعلام في اليومين السابقين بأخبار متلاحقة عن رصاص الفرح يقتل الأطفال والكبار في مناطق مختلفة من أنحاء الوطن! في كل موسم من مواسم الفرح يسقط ضحايا لهذا الفرح، ويسقط ضحايا لحب بعضنا بعضا، أخ يفرح لتخرج أخته فيقتلها فرحا وحبا! وشاب نجح في التوجيهي فقتل طفلا آخر برئيا لا علاقة له بهذه المناسبة! وشاب تزوج، فقتل الفَرحون بزواجه عددا من حاضري الحفل! أما الرصاص الطائش فله هو الآخر قصة أخرى، فإذا قرر المواطن مقاطعة أعراس الموت والحزن، فهو ليس بآمن على نفسه من ملاحقة القتلة ورصاصهم البائس في غرفة نومه، أو إصابة طفل في حضن والديه، أو امرأة تحضر الطعام لأسرتها! مفارقة عجيبة في إصرار الإنسان على تحويل الفرح إلى حزن، والحياة إلى موت، والمفارقة الأكثر غرابة سكوت الجهات المعنية، وتساهلها مع هؤلاء، وهي التي تحدثنا كل يوم عن حماية المواطن! أتساءل دائما ما هي العلاقة بين إطلاق الأعيرة النارية والفرح، فلا أجد؛ لأنه من غير المنطق أن تكون هناك علاقة بين شعورنا بالسعادة، وإزعاج الآخرين وترويعهم، وقتلهم، بل هي من أسوأ العادات التي ورثناها عن أجدادنا؛ إذ يُعتقد أنهم اعتادوا أن يطلقوا الرصاص لإعلام الآخرين بوجود مناسبة لديهم، أما اليوم، فأصبحت لغة الرصاص هي المعبّر عن حالة الفرح ذاتها! مع أنه لدينا وسائل أخرى كثيرة للتعبير عنه أقل همجية، وصخبا، وإزعاجا للآخرين.
رأيت فيديو قتل الشاب للطفل الذي نشر قبل يومين غير مرة؛ لأفهم سلوك القاتل قبل وأثناء إطلاقه النار، فلاحظت عجبا من عدم اكتراث القاتل بمن حوله، فلو كان يحمل في يده سيجارة لكان عليه أن يكون أكثر حذرا لئلا يصيب أحدا بها، ولكنه كان يحمل سلاحا، ويستخدمه في حشد من الصغار والكبار وكأنه يحمل باقة من الورد أو صندوقا من الحلوى يريد أن يوزعها عليهم! تدخلت دائرة الإفتاء قبل زمن، وقالت قولها في هذه العادة المتخلّفة بأنها حرام، ولا تجوز شرعا لما فيها من تخويف وأذى للآخرين، وقالوا إذا كان الرسول عليه السلام نهى عن حمل السلاح مكشوفا خشية أن يؤذي الآخرين عن طريق الخطأ، ونهى عن الإشارة بالسلاح إلى المواطن خشية أن تزّل يداه، فكيف بمن يستعمل السلاح فعلا، ويتسبب بقتل الآخرين؟! إن تساهل الحكومة مع هكذا نوع من القتل جعل الناس يتمادون، بل ويخترعون وسائل جديدة في همجنة الأفراح من مثل مواكب السيارات المخالفة لكل قواعد السير من سرعة وتزاحم... وتدلي الأجساد من نوافذها، وخروج الرؤوس من سقوفها، وإزعاج الآخرين بزواميرها! إذ التلوث الضوضائي لا يقل خطورة عن أنواع التلوث الأخرى، فنحن لسنا بحاجة إلى ما يصم ّأسماعنا، ويرهق تفكيرنا، ويفزّع أطفالنا. إذا كان الواحد منا لا يفهم، ولا يريد أن يفهم، وإذا كنا لم نستوعب بعد مخاطر هذه العادة السلبية، واذا وصلت اللامسؤولية ببعض الأهل إلى تسليم أبنائهم السلاح ليقتلوا به أفراحهم وأفراح غيرهم، ويغتالوا الأمان في بيوتنا، فأين دور الحكومة في ذلك كله؟! لماذا لا تتعامل معهم مثلما تتعامل –مثلا- مع كثير من مخالفات السير التي نشك أحيانا أننا اقترفناها، ولا نعرف متى وأين؟!... إلخ من التعامل مع كثير من المخالفات من فرض الغرامات الكبيرة، أو حتى الإيداع في السجن. إن عادة إطلاق العيارات النارية هي أسوأ وسيلة للتعبير عن الفرح، وخطر لا مبرر له، وسلوك غير حضاري، ولا بد من إيجاد إجراءات صارمة في التشريع والتطبيق للخلاص منها.