التحديات والفرص في النظام الاقتصادي العالمي القادم
د. اخليف الطراونة
24-08-2015 02:19 PM
لم يعد باﻹمكان تجاهل الدور المتعاظم للاعبين الجدد في الاقتصاد العالمي والحضور الفاعل للمراكز الصاعدة من منظمات وتحالفات اقتصادية جديدة مثل: "بركس" و"مجموعة 77"، و"ايكو" و"طريق الحرير الجديد" والذي تقوده دول لم تتوافر لها سابقا مؤشرات تنبئ أنها ستقود التحول الاقتصادي في العالم بهذه السرعة، بدءاً من الصين الى الهند وكوريا الجنوبية وماليزيا الى البرازيل وجنوب إفريقيا وتركيا وغيرها.
لقد تميزت هذه الشراكات بأنها أبعد ما تكون عن النمط التقليدي؛ إذ استطاعت هذه الدول وخصوصاً اﻷورو- آسيوية منها ان تقدم نفسها باعتبارها بديلا قويا عن أنظمة اقتصادية وسياسية قيادية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وفي ظل غياب شبه كامل وواضح ، مع اﻷسف، لدور "عربي" فاعل ومشارك في هذه المنظمات. فلقد استطاعت هذه الدول بمنظماتها الناشئة ان تقلب المعادلات، وتحول اﻷحلام الى واقع تجاوز قاعات الاجتماعات المغلقة ليصبح حقيقة ملموسة ﻻيمكن لكل ذي بصيرة ومتابع إنكارها.
وتتجسد هذه الحقيقة في مشاريع اقتصادية عملاقة تتبناها دول مثل الصين التي قامت بتأسيس "البنك الدولي للبنية التحتية اﻵسيوية" ضمن مشروع "طريق الحرير الجديد" الذي يربط الشرق اﻷوسط بآسيا، بمساهمة تتجاوز الـ 40 مليار دولار وحدها، وبمشاركة أكثر من 50 دولة تمتد على طول طريق الحرير التاريخي من أوروبا الى شرق آسيا، بعد ان ساهمت أيضا في تأسيس "بنك التنمية" و"صندوق الاحتياط النقدي" بقيمة تتجاوز الـ 100 مليار دولار، وهذا أمر لا يمكن تجاهله وصرف اﻷنظار عنه. بل يجب التوقف مليا عند فوائده وأبعاده وتأثيراته. فطريق الحرير الجديد نشأ جراء تقاطع النمو اﻻقتصادي لدولتين كبيرتين هما: الصين والهند مع الزيادة في اسعار النفط العالمية، والحاجة الماسة لهاتين الدولتين لمصادر الطاقة؛ إذ تشير التوقعات الى ان الصين ستستورد كميات من النفط من دول الخليج العربي في العام 2025 ما يعادل ثلاثة أضعاف ما ستستورده اميركا من هذه الدول.
لقد أظهر نجاح مشاريع ومخططات التنمية اﻵسيوية في الصين و كوريا وماليزيا والهند علاوة على التجربة اﻷميركية الجنوبية في البرازيل، أهمية التعاون الدولي بـ"النكهة المحلية" في تحقيق التنمية والتطور المستدامين بجميع جوانبهما الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتكون البنية اﻷساسية لبناء. شراكات وإقامة المزيد من التكامل والتعاون بين الدول الواقعة على هذا الممر التجاري، بهدف إحداث تغيير أساسي في قواعد التنمية والسياسة العالمية .؛فالفوائد التجارية ليست هي وحدها التي يمكن ان نجنيها من طريق الحرير.
و في ظل هذا الواقع يتحتم علينا في اﻷردن إدراك التغيير الاقتصادي والسياسي المقبل الذي وإن كان يحمل فرصا للتنمية،فإنه يحمل في الوقت نفسه أيضا التحديات التي تتجاوز برامج الإصلاح الاقتصادي والسياسي والتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين وباقي المنظمات التقليدية.
من هنا جاءت مشاركة اﻷردن والجامعة اﻷردنية ممثلة برئيسها في إطﻻق شبكة جامعات طريق الحرير، فالجامعة عضو مؤسس في هذه الشبكة، وبحضور وفود تمثل 35 جامعة عالمية من أوروبا والشرق اﻷوسط؛ بهدف تعزيز التعاون العلمي والحضاري والتبادل اﻷكاديمي بين الجامعات،وللوفد اﻷردني حضور فاعل في رئاسة جلسات اعمال المؤتمر ، وفي صياغة ميثاق وتعليمات التعاون الخاص بالجامعات واﻷكاديميين والطلبة.
لقد كان اﻷردن وما زال ، بفضل ما حباه الله من قيادة هاشمية حكيمة ومنفتحة على جميع الدول الإقليمية والدولية قادرا على تجاوز الكثير من التحديات الصعبة التي هددت هذا الوطن على مر السنين، و في ظل هذا التغير المحتمل في موازين القوى الاقتصادية والسياسية المتسارع، يتحتم علينا في اﻷردن تعزيز اﻻنتماء الصادق وتكريس معاني الوفاء واﻹخلاص لهذه القيادة، وإعادة رسم السياسات الحكومية، ووضع الخطط واﻻستراتيجيات التي من شأنها المساهمة في تطوير العملية التنموية الشاملة، وتعزيز الفاعلية وروح المبادرة، كما تجسدها هذه القيادة ، وبما يستجيب لمتطلبات ومقتضيات التغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتوقع حصولها عالمياً.
أن تتجاوز دول غاية في التنوع، كالهند والصين وماليزيا، على سبيل المثال ﻻ الحصر، جميع التحديات التشريعية والثقافية و التكنولوجية و حتى السياسية لتصنع نماذج جديدة في التعاون والشراكة من أجل التنمية المستدامة، يفرض علينا في الاردن تجديد وتحديث رؤيتنا المستقبلية في جميع القطاعات اﻷساسية من: الصناعة والتجارة والزراعة و التعليم، و إجراء التعديلات اللازمة والعاجلة في رسم خطط واقعية قابلة للتنفيذ تتيح لنا ليس فقط تجاوز تحدياتنا الداخلية واﻹقليمية، وإنما أيضا تحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية "الحقيقية" آخذين بالحسبان التجارب الناجحة في هذه الاقتصاديات الناشئة ،و أن نكون مشاركين فاعلين في المنظمات الناشئة دون إغفال علاقاتنا، وتنويع اﻹفادة من الفرص التي يمكن ان تقدمها أي دولة او منظمة تخدم مصالحنا الوطنية وتدعم بناء مستقبل أفضل ﻷجيالنا المقبلة.
#ألجامعة_الاردنية طريق _الحرير#كوريا_الجنوبية