هي طبيعة النفس البشرية.. غالباً ما تبحث عن محيط تتسيّده أو تتشابه معه على الأقل، فالذي اخفق في امتحان ما يبحث دائماً عمن أخفقوا مثله ويفرح بسقوطهم ويحاول أن يجمع أكثر عدد ممكن من الأسماء بل ويسعى لتكوين صداقات معهم... والذي تعرض لمصيبة يكون متربّصاً ليفرح بمصيبة غيره ولو في العقل الباطن و دون ان يعلنها على الملأ، وقد كنت أدهش من الأرامل العتيقات اللاتي يزرن المقابر كيف يغدقن بالقهوة والتمر والولولة على الأرامل الأحدث سناً واللاتي انضممن الى منتخب الترمّل الوطني فيصبح الهمّ مشتركاً فجأة واللغة قريبة والظرف واحد.. الفرق الوحيد هو درجة لون الجرح الذي يتدرّج من الأخضر الى الرمادي..
أدهشني جداً فرح بعض «الكتّاب» والمحللين السياسيين والاقتصاديين بتراجع الليرة التركية أمام الدولار وكأنه انجاز هم صنعوه، أو حدث طال انتظاره لاشفاء الغليل من النجاح الذي قدّمه النموذج التركي طيلة الفترة الماضية للعالم كله ..ومن راقب المقالات والتحليلات في الأسبوعين الأخيرين سيرى حجم الغل الذي يحتل صدور البعض عندما لم يخفوا تشفّيهم بتراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار واختاروا عناوين «الليرة تهوي أمام الدولار»..«الاقتصاد التركي في انتكاسة»... والبعض قال ان النجاح التركي مجرد نجاح مؤقت لا يدوم، لا بل أن بعضهم لم يخف سعادته بالصعوبات السياسية التي تواجه تركيا هذه الأيام.. وهؤلاء الذين يدعون ان التفوق الاقتصادي التركي تفوق مؤقت.. لم يفسروا لنا كيف رُفع سعر صرف الليرة «من مليون ليرة مقابل دولار» الى «3 ليرات مقابل الدولار»... ترى هل تقدّمنا بمثل الخطوات التركية.. حتى نسخر من تراجع صرف الليرة فلسات قليلة..
كاتب آخر كتب مقالاً ينتقد فيه مسيرة الاقتصاد على عهد أردوغان مدعياً أن النجاح الذي كان قد حققه الاقتصاد التركي قبل سنوات يتعرض للنكسة تحت وقع انتشار الفساد الحكومي على أعلى المستويات، وبروز الروح الاستبدادية واستغلال أغلبية الحزب في البرلمان لإصدار قوانين تعسفية ضد القضاء والإعلام وكل من يرفع رأسه في وجه السلطان الأوحد ... ومن يقرأ هذا التحليل العبقري يخيّل اليه أننا في السويد..
يؤسفني ان البعض يبغض بشدة نجاح الآخر.. النموذج التركي، ماليزيا ،اندونيسيا، وسنغافورة، وغيرها من النماذج الاقتصادية الناجحة في آسيا تعطي أملاً ونموذجاً طيباً لنا نحن الدول التي ينقصها «هرمون النمو» انه يمكن لنا بإدارة واعية وإرادة صلبة ان تصبح مكانها في يوم ما...لا ان نتمنى ان تضعف وتغرق في الدين لتصبح مثلنا...تركيا عندما سددت جميع ديونها وأقرضت البنك الدولي وصارت من أهم الاقتصاديات في المنطقة في أقل من عشر سنوات أعطتنا فخراً اضافياً ان دولة أسيوية شرق أوسطية مسلمة وجارة وشقيقة صارت من اسود الاقتصاد
العالمي وسادس أقوى دولة في العالم عسكرياً...بغض النظر عن اسم ولون عيني من يحكمها..
***
ان تعثر الناجح في مسيرة الصعود لا يعني فشله..بالمقابل سخرية «المخفق» من عرق الناجحين «آيزو» فشله بامتياز...
الرأي