حين تفشل كل المضادات الحيوية في معالجة مرض ما ثُم تفشل الجراحة حتى لو كانت بترا لأحد اعضاء الجسد فإن المصير المحتم لا يحتاج الى ضرب اخماس بأسداس، لأنه ضرب اصفار بأصفار.
وما يشكو منه الواقع العربي الان تراكمت عليه التشخيصات وصور الاشعة، وقد لا يكون هناك تصور في توصيفه لأن البطالة المُزمنة أدت الى ان يتخصص حتى الهواة في هذا التوصيف، والأرجح ان استفحال الداء له اسباب اخرى غير الداء ذاته، ومنها اصرار المصاب على انكار ما المّ به فهو يدّعي بأن الانيميا رشاقة، والفقر المدقع زهد، والصّمت من ذهب لهذا فهو لا يتكلم الا اذا كان الكلام من فضّة النميمة، وتبرئة الذات من كل ما تقترف لأنها معصومة، فالخطأ كما الضعف من حصة الاخرين فقط.
ربما لهذا السبب غرق نرسيس في الماء عندما فتن بصورته على سطحه، فاستحق المصير لأنه رفض الاعتراف بأن هناك من هو اجمل منه، وهذا ما دفع شاعرا انجليزيا معاصرا الى تذكير الناس بما قاله المعرّي عن التراب الذي نمشي عليه ونعفر اقدامنا به ... وهو من اجساد احياء لم تكن الدنيا تتسع لهم.
ما هذا الاصرار على مواصلة السير باتجاه آخر، وفي طريق يعجّ بالكمائن؟ ولو القي ما كتب في تشخيص امراضنا النفسية واسباب شقائنا في النيل ودجلة والفرات لتغيّر لون الماء اكثر مما تغير في زمن هولاكو، لكن سعاة البريد يعيدون كل الرسائل الى اصحابها لأن المرسل اليه في غيبوبة من درجة لا تسمح له حتى بالتعرف على ذاته !
اصرار باسل حبّذا لو كان في الطريق الصحيح، على الإنكار والمُكابرة والزّهو بجهل يتسع ويتعمق على مدار اللحظة.
حتى قطعان الخراف تشعر غريزيا بالفزع وتضطرب وهي ترى الدم يسيل من اعناق من سبقها الى المسلخ.
فمن اين اتت كل هذه اللامبالاة وازدراء الحياة وتبديد اعز مُقتنيات الروح بسفاهة غير مسبوقة؟
ولو كانت هذه الرقصة الوداعية رقصة طائر ذبيح لقلنا ان الشيء اذا زاد عن حده انقلب الى ضده، لكنها برطَعَة بهائمية وليست رقصة، ومن غرائبها انها تودى في المآتم!
الدستور