تشعر بشيء من الغيرة وانت تشاهد المقابلة التلفزية المهيبة التي أذاعتها محطة (اليورو نيوز) يوم السبت (22/ 8) للعلامة الأمريكي نعوم تشومسكي، والتي دمغ بها امريكا واسرائيل كدولتين يهددان السلم العالمي. و(اليورو نيوز) لمن لا يعرف هي المحطة التلفزية الأوروبية (المملوكة من جميع الدول في تلك القارة) والمستقلة، التي تعتبر المحطة الإخبارية الأولى في القارة، وتذيع نشراتها القصيرة بلغات العالم المختلفة، ومن بينها اللغة العربية، كل نصف ساعة.
لا أظن أحدا في الوطن العربي لم يسمع بتشومسكي، ولمن لا يعرف فهو عالم لغويات و سياسة وعلم نفس، امريكي، تدرس نظرياته في المعاهد والجامعات، فهو عالم متعدد المواهب، وجمعته وهو اليهودي المولود عام 1928 في أمريكا رابطة فكرية سياسية مع مفكرنا الكبير ادوارد سعيد حيث أدانا باستمرار تعنت اسرائيل وعنصريتها ومواقفها من الفلسطينيين ورفضها المتواصل منحهم حقوقهم التي أقرها المجتمع الدولي.
في المقابلة تحدث تشومسكي عن ترسانة اسرائيل وأمريكا النووية، وأدان موقف بلاده من مشكلة البيئة، وقال اننا الآن أقرب من اي زمن مضى لدمار الكرة الأرضية اذا لم تتخذ الاجراءات الكفيلة للحد من الاعتداء المتواصل على امنا الأرض. وتحدث عن اوروبا كقارة خاضعة لمشيئة اوروبا، كما وتحدث عن امتعاض روسيا من عدم احترام الوعد الذي قطعته أمريكا لغورباتشوف عشية سقوط الاتحاد السوفياتي بألا تتمدد في منطقة حلف وارسو. وتراه يزجي تقديره لأمريكا اللاتينية التي تخلصت من النفوذ الأمريكي وأصبحت القارة الوحيدة المستقلة التي تعبر عن مواقف رافضة للهيمنة.
لكن لماذا الغيرة؟؟ حين تقف امام وقار العمر لأستاذ يكاد يبلغ التسعين، جامعي منذ عام 1955، وخط الزمن خطوطه العميقة في وجهه، ولا يزال حتى يومنا هذا يمارس عمله في مكتبه–استاذا فخريا (emeritus) في أرقى معاهد امريكا (M. I. T.)–يتحدث بتواضع العلماء وثقة الفلاسفة ويشع بنور فكره الذي أنضجته الأيام، وينتقد سياسات بلده ويدين اسرائيل التي لا يجروء كثيرون على ادانتها، ويكشف عن رؤاه التي سجلها في أكثر من مائة كتاب ألفها، وأبحاث عديدة، وتقارن بين وضعه ووضع جامعاتنا التي تنتظر الأستاذ حتى يبلغ سن التقاعد القانوني، (فتروحه) بجرة قلم الى استيداع دون النظر في انجازاته التي قدمها ، أو حتى تقيمها، واذا ماكانت تستأهل، ابقته يشع بفكره سنوات أخرى، متناسين ان الحكمة العلمية تنضج مع الزمن، وتنتقل الى طلبة أذكياء، وعلى أجنحتها قد يجيء خلاص الأمة، ونهوضها.
الرأي