جميل النمري يكتب تراجعات اللامركزية : سر مجلس النواب
جميل النمري
24-08-2015 12:53 AM
جلسة بعد ظهر اليوم الأحد تقول كل شيء عن سر مجلس النواب، وأقصد الجلسة الأخيرة لمشروع قانون اللامركزية التي شهدت تراجعات بالجملة من المجلس عن ما كان صوت عليه في جلسة الصباح وجلسات سابقة.
المجلس ليس رجعيا ولا تقدميا ، ليس يمينيا ولا يساريا ولا مواليا ولا معارضا.
150 عضوا لا يرتبطون بشيء غير ذواتهم، لا تربطهم كتل "حقيقية" أو أحزاب أو برامج لا يمكن توقع مواقفهم في شأن جديد واجتهادي لا يرتبط بما يمكن القياس عليه، ولذلك اذا غابت المرجعية الوحيدة النافذة وهي تكون غائبة في الأوضاع العادية يمكن ان يخرج اي شيء.
وهذا ما حدث في مشروع اللامركزية حتى ظهر اليوم عندما استفاقت أوساط القرار على اندفاعات غير محسوبة وغير مقبولة أقرها المجلس، واذا بجلسة بعد الظهر الختامية تنقلب رأسا على عقب ويشهد المجلس تراجعات بالجملة عن أمور اقرها سابقا وذلك بناء على طلب بعض النواب حيث استجابت الأغلبية لطلب المراجعة والغاء القرارات السابقة بتيسير واضح من رئاسة المجلس التي تصرفت بطريقة معاكسة تماما مع طلبات ىاعادة فتح مواد للنقاش في قانون البلديات الي تم اقراره قبل ايام حيث تم زحلقة الطلبات والتصويت على رفضها بسرعة قياسية دون اعطاء فرصة لشرحها.
ان اللجنة النيابية المشتركة تجاهلت تحسينات واقعية وصغيرة لكنها مهمّة جدا في تحسين صيغة اللامركزية وبالمقابل أخذت قرارات راديكالية في بعض المفاصل اشك انها حسبتها جيدا، وقد فوجئت بها واستغربت مرورها، وانا عضو في اللجنة المشتركة وبذلت جهدا للتفاهم مسبقا على اصلاحات لمشروع القانون من خلال مقترحات واقعية وعملية لانجاح اللامركزية لكن صدف أن المجلس ارسلني للمشاركة في ملتقى دولي في تونس حول اللامركزية في نفس الوقت الذي عقدت فيه اللجنة اجتماعاتها واخذت قرارتها ومن تلك القرارت ان رئيس مجلس المحافظة لا ينتخب من اعضاء المجلس بل مباشرة من شعب المحافظة وهو ما يأخذ هذا المنصب ابعد كثيرا مما في بال مشروع اللامركزية فالرئيس المنتخب مباشرة من شعب المحافظة سيكون وزنه موازيا لبقية المجلس بل اقوى، كما هو وضع رئيس البلدية مع اعضاء المجلس البلدي. وسيكون اقوى من المحافظ وأي جهة اخرى في المحافظة، وهذا تعديل لا ينسجم مع مستوى اللامركزية المتواضع المطروح وأستغربت ان المجلس مرر هذا المقترح ومن الواضح أنه بين قرار اللجنة وحتى تصويت المجلس لم تحدث اي متابعة أو تنبيه او تعبئة ضد القرار. اي ان المجلس حتى ظهر أمس كان يسير مثل قارب بلا دفة، فرأينا المجلس يصوت على الغاء نسبة التعيين (25%) ويقر كوتا نسائية بنسبة 15% ويلغي شرط الشهادة الجامعية.
من الغريب ان المجلس الذي صوت على انتخاب رئيس مجلس المحافظة على حدة وهي خطوة راديكالية جدا رفض التصويت على اقتراح في قانون البلديات اكثر تواضعا بكثير بانتخاب رئيس المجلس المحلي على حدة وهو منصب متواضع على مستوى المنطقة التابعة للبلدية والسبب لا علاقة له بصواب الفكرة او خطأها بل لأن المجلس يفضل طريق السلامة باعتماد قرارات اللجنة النيابية المختصّة وقليلا ما يسمع او يهتم بالمقترحات الفردية التي تطرح تحت القبّة.
لكن حتى مقترحات اللجنة المختلفة مع مقترح الحكومة لم تعد تمر في جلسة بعد الظهر فقد اصبح المجلس فجأة محافظا وحذرا يحرص على مواد المشروع كما جاءت من الحكومة ثم في نهاية المشروع وكما يقضي النظام الداخلي يوافق على فتح المواد " الثورية " التي سبق واقرها ويصوت بالجملة على التخلي عنها ويصبح رئيس المجلس عارفا بما يريده ويعلن بسرعة نجاح تصويتات قبل ان يتسنى جديا عدّ الايدي المرتفعة، وهو يعرف بالتأكيد أن الأيادي سترتفع بعدد كاف اذا تعرض التصويت للتشكيك وتقرر اعادته.
ليس الأمر اليوم أن ارادة المجلس مصادرة وأن ثمة جهة تفرض وصايتها عليه. فما دامت الأحزاب والكتل السياسية الحقيقية ليست موجودة لقيادة المجلس فثمة فراغ لا بد لأحد أن يملؤه وأغلبية النواب تتوقع وجود هذه المرجعية وتريدها عندما يتعلق الأمر بالشأن السياسي وليس بمصالح جهوية أو قطاعية تتعرف عليها وتعرف ما تريده منها. ومن الطريف ان الأمر يبدو تقصيرا فادحا من الجهات المعنية حين يمضي المجلس في اقرار متناقضات ما بين الراديكالية الزائدة والمحافظة المتشددة!!