بين ليلة وضحاها أضحى الحديث عن إنجاز حل الدولتين في ربع الساعة الأخير من عمر إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش يثير من السخرية أكثر مما يثير من النقاش الجاد.
وبين ليلة وضحاها تبين أن رهانات الموالاة في لبنان على الحليف الاميركي تشبه من يدخل كازينو للمقامرة دون أن يحمل في جيبه فلسا واحدا.
لقد بدد الرئيس الاميركي في زيارته الأخيرة هذه أخر الآمال في قيام واشنطن بدور ما لإنعاش المفاوضات السلمية، وبدا ضيف المنطقة أكثر حرصا من اليمين الإسرائيلي (ليبرمان ونتنياهو) على امن إسرائيل متوعدا أعداء إسرائيل بالويل والثبور وعظائم الأمور دون أن ينبس ببنت شفة عن الحقوق الفلسطينية.
المشهد الإقليمي مرشح لمزيد من الإحباط لدعاة السلام فيما يبدو واعدا لغير المراهنين على إدارة بوش الآفل نجمها عما قريب.
سيسقط أيهود اولميرت بوحل فساده بالضرورة في حين قد تدخل إسرائيل في دوامة انتخابات مبكرة أو تقاد - دون انتخابات - مبكرة من قبل ترويكا ( باراك - نتنياهو - ليفني) عبر توسيع الائتلاف الحاكم، وفي هذه الحال سيكون السلام مع الفلسطينيين خارج أجندات هذا الحلف الثلاثي.
ستواصل إيران استثمار الوقت جيدا لتقوية حضورها في العراق والخليج ولبنان لتجبر الإدارة الاميركية المقبلة على الاعتراف بدورها الاستراتيجي في الإقليم وهي مهيأة لإنجاز صفقة تاريخية لاحقة مع واشنطن تكرس فيه موقعها كشريك استراتيجي للولايات المتحدة في تقرير مصير الإقليم.
ستشعر القوى الأصولية ( السلفية الجهادية وتنويعات الحركة الاخوانية ) أنها ربحت جولة في مناكفة السياسات الاميركية والحكومات المعتدلة وربما ترفع من سقف خطابها الظلامي مستثمرة في ذلك غباء سياسات الإدارة الاميركية الحالية تجاه المنطقة.
سيشعر التيار المتشدد في إيران أن سياسات التحدي أتت أكلها وسيضعف تأثير المعتدلين في طهران بعد صولة حزب الله الأخيرة في بيروت وتغييره قواعد اللعبة وقلبه للطاولة وفرض رؤيته للحل في لبنان.
ستشعر سوريا أنها خرجت من عنق الزجاجة التي صنعتها اشتراطات وزير الخارجية الاميركي السابق كولين باول عشية اجتياح العراق وستعود دمشق مجددا للعب دور أساسي في تثبيت دعائم السلم الأهلي اللبناني كطرف أساسي في ضمان استقرار لبنان.
ستشعر السلطة الوطنية الفلسطينية أن رهاناتها على الإدارة الاميركية كانت في غير محلها و ستجاهد لإثبات أنها لا زالت جزءاً من المشهد السياسي، وستناضل للبقاء على قيد الحياة السياسية بعد انهيار مشروعها التاريخي السلمي، فيما ستكون حركة حماس قد تلقت تزكية بان خطها السياسي لم يجانب الصواب رغم الثمن الباهظ الذي دفعه الغزيون.
سيبدو التنافس الانتخابي الاميركي محموما على إطلاق أسمى آيات الدعم والإسناد لأمن إسرائيل طمعا بأصوات الناخب اليهودي وكذلك سيكون موضوع الخروج من المستنقع العراقي بندا رئيسا على أجندة المرشحين، فيما سيكون الحديث عن حقوق الفلسطينيين محرما خلال الحملة الانتخابية.
من ينظر إلى الوراء سيرى ثمانية أعوام عجاف هي محصلة الرهان على قدرة واشنطن في إحداث تغييرات ديمقراطية في المنطقة وان كل ما فعله هؤلاء هو إيقاظ الغرائز الاثنية والطائفية وسفك الدماء وإنعاش الأصولية وإخراج مارد العنف من قمقمه ورفع منسوب الإحباط لدى شعوب هذه المنطقة وفي المحصلة فان ثمانية أعوام من حكم الجمهوريين قد جعلت العالم اقل أمنا وجعلت الشرق الأوسط أكثر تمزقا واضعف في المحصلة قوى الاعتدال والتيارات الديمقراطية في حين انتعشت الأصولية والشمولية.
تلك هي بركات إدارة اميركية هي الأسوأ لشعبها ولشعوب هذه المنطقة على السواء.
samizobaidi@gmail.com