جاءت الخطوات التي أعلنها الدكتور خالد الكركي، رئيس الجامعة الأردنية في افتتاح المؤتمر الأول للرسائل الجامعية حول الترتيبات الجديدة في الجامعة، مغايرةً ومناقضة لما يشتهي كثيرون. ومن أهم ما أعلنه الدكتور الكركي، بحسب ما جاء في موقع "عمون" مؤخرا، تحت عنوان "الكركي يعلن خطة تحرير "الأردنية" من الدعم الحكومي" هو أن الجامعة ليست مكانا للتوظيف ولن تقبل أصحاب "الشهادات الضعيفة"، وأن الجامعة ستبتعث خلال عشر السنوات القادمة 500 طالب للحصول على الدكتوراه من أهم وأعرق الجامعات العالمية، كما أن الجامعة ستضم في كوادرها الأكاديمية ما لا يقل عن 10% من خارج الأردن تأكيداً لعالمية الجامعة، وأنّ الجامعة تخطط للتحرر من الدعم الحكومي.
ومن الجهة المقابلة يمكن تلخيص ثلاثة مطالب بارزة وردت في الكتابات الصحافية والتعليقات، التي نُشرت مؤخرا في صحف أردنية بشأن الجامعات الأردنية من قبل بعض حملة الدكتوراة أو الطامحين للحصول عليها، فهناك مطالباتٌ بفتح مجال التعيين واسعا لمن حصل على الدكتوراه من الأردنيين، لدرجة أنّ أحد حملة الدكتوراه علّق على مقال حول موضوع التعيينات، بأنّه من غير المهم أن يكون التعيين بالواسطة أو بالاختيار، المهم أن يكون التعيين للأردنيين وليس "لوافدين". أما المطلب الثاني فيرى ضرورة تقليص شروط القبول والنجاح في الجامعة من حيث موضوع اللغة الإنجليزية. والثالث يميل إلى عدم "الإجبار" على التفرغ للدراسة وتحديدا لمن يدرس خارج الأردن؛ فهناك من يريد أن يسجل في جامعة في دولة ما وأن يعيش في الأردن، ثم يحصل على الدكتوراه (تمهيدا للمطالبة بالعمل في التدريس في جامعة).
وفيما يتعلق بجنسيّة المدرس، أذكر أنه عند حضوري محاضرة في جامعة أدنبرة ألقاها أستاذ من جامعة كيمبردج، كان قد قدمه للجمهور أستاذ بارز من الجامعة المضيفة، وكان مما جاء في التقديم تهنئة من أدنبرة إلى كيمبردج لفوزها بهذا المحاضِر (العربي) ولاستطاعتها إقناعه بالانتقال من الجامعة الأميركية في بيروت إلى كيمبردج. فالتهافت على العقول، على غرار ما تفعل كبرى الجامعات العالمية والسعي وراء المبدعين، هو ما نحتاجه الآن للرقي بجامعاتنا بدل التدهور الذي شهدناه في سنوات سابقة، لا التعامل مع موقع أستاذ الجامعة كما لو كان وظيفة لعامل في مصنع.
ومن هنا فعندما تقرر الجامعة الأردنية استقطاب الكفاءات من حول العالم فهي تصنع اسمها بقوة وتؤسس لمرحلة جديدة في الأردن ككل وليس للجامعة الأردنية فحسب. وعلى سبيل المثال لماذا لا يتم استقطاب أساتذة من أبناء اللغات والأمم الأخرى لتدريس طلبتنا هذه اللغات وتدريسهم قضايا وتاريخ هذه الأمم، تماما كما يكون استقطابُ العربِ لتدريس العربية في الغرب؟ ولعل تفعيل برامج تبادل الأساتذة الزائرين يكون أحد أهم مداخل "عالمية" جامعة مثل "الجامعة الأردنية".
أما "الشهادات الضعيفة" فنعم، هناك حتى في الولايات المتحدة وبريطانيا تصنيف للجامعات، وهناك جامعات لا يوجد أدنى ثقة بمستوى شهاداتها وهي أقرب للمشاريع الشخصية والتجارية، حتى وإن تغطت بأسماء عريقة وقدمت مِنَحاً في عالمنا العربي وادّعت الريادة.
أمّا موضوع اللغة الإنجليزية فيقودني لتجربة اليابان، حيث يتم اختيار نسبة معينة من أبرز طلبة الجامعة في السنتين الثانية والثالثة، للدراسة في جامعات أجنبية لمدة عام واحد، تحتسب ضمن فترة دراستهم؛ وذلك إدراكا من الجامعات اليابانية أنّها لا تحتكر الجديد في العلوم، لذلك تقوم بالتنسيق مع جامعات كبرى لاستقبال طلبتها والتأكد من دراستهم مواد تحدد سلفا تفتقر الجامعات اليابانية لها، وبذلك يطلّع الطالب الياباني على الجديد غير المتوافر في بلاده، ويتعلم لغة أجنبية. وبما أنّ الطالب مضطر للعودة لبلده لإكمال دراسته، تضمن اليابان تقليص عدد "العقول المهاجرة" للغرب. وعلاوة على هذا النظام الياباني الذي يمكن دراسة تطبيقه لدينا، يمكن التساؤل لماذا لا يتم جعل تدريس بعض المساقات في الدراسات العليا باللغة الإنجليزية؟
مع وجود برامج دكتوراة محليّة باللغة العربية، سندخل في الأردن، في دوامة تخريح مدرسين جامعيين يعتمدون على ما حصلوا عليه من أساتذتهم، الذين تخرج بعضهم بدوره منذ سنوات طويلة وانقطع عن مواكبة التطور العلمي، ولن يطّلع الطالب على مناهج البحث والتفكير لدى أمم أخرى وسيفتقر للغة الأجنبية، وبالتالي لأدوات الحصول على المعرفة العالمية، وسيزداد فقر جامعاتنا وثقافتنا باطراد.
وهذا ينطبق على من يريد الدراسة عن بعد، دون سفر وإقامة، فالجامعة في الدراسات العليا عبارة عن لقاء بين المشرف والطالب، وقضاء لساعات لا تنتهي في المكتبة، والذهاب للمختبرات ومراكز الوثائق، والنقاش مع الزملاء، وحضور الندوات والمؤتمرات.
والأهم أنّ من مشاكل جامعاتنا العربية أننا نحصر دراساتنا في أقطارنا أو في قضايانا العربية وآن الأوان كي نبدأ بدراسات الاستغراب ودراسة العالم لنفهمه ونفهم أنفسنا، لا أن نكتفي بالادعاء أننا نكتب عن الأردن وبالتالي فلا داعي للسفر.
على أن هناك قضايا ونقاطا أخرى مما يثار في الصحف تستحق الاهتمام والمراجعة، فمثلا إن اشتراط معدل معين في الثانوية العامة والحصول على تقدير معين في المرحلة الجامعية الأولى، قد يشكل عقبة حقيقية أمام بعض مَنْ تطور وأصبح لديه قدرات أكاديمية لاحقا، وهنا يمكن ضبط هذا المتغير باشتراط نشر عدد من الكتب والأبحاث العلمية المحكمة، لهذه الشريحة وذلك من أجل التعيين في التدريس الجامعي، أو لقبولهم في الدراسات العليا.
إنّ تطوير الجامعات الأردنية بالتأكيد على المعنى الحقيقي للعلم، والانفتاح على العالم، وتحويل الجامعة لمكان لغرس قيم الإنجاز الفردي والإبداعي العلمي، بعيدا عن الجهوية والمحسوبية، سيحل مشاكل كثيرة بدءا من العنف في الجامعات، وصولا إلى تطوير آليات تفكير جديدة في المجتمع لحل المشكلات السياسية والاقتصادية المختلفة.
كاتب وباحث أردني مقيم بالإمارات
aj.azem@gmail.com