العلاقة بين المدرسة ولأسرة، مظاهر الأزمة وأسبابها
د. فيصل الغويين
18-08-2015 01:28 PM
هناك أزمة بنيوية حقيقية تعيشها مؤسساتنا التربوية نتيجة التغيير الجوهري في قيمها ومرجعياتها القانونية والاجتماعية والثقافية، ونتيجة ترهل بناها المؤسساتية والإدارية، فكيف يمكن لهذه المؤسسة أن تكون فاعلة في تغيير المجتمع نحو مستقبل أفضل في وسط مجتمعي تسوده مظاهر التهميش، والإقصاء، والانحلال القيمي والأخلاقي، وفي غياب آليات المشاركة الحقيقية للفاعلين التربويين في التصدي لهذه الظاهرة وغيرها من الظواهر التي تتجاوز المدرسة؟
إنّ من أسباب ضعف السلطة التربوية والثقافية للمدرسة، وتفكك رأسمالها الرمزي في وجدان الطلبة، هو غياب التكامل بينها وبين الأسرة في متابعة الطالب ومراقبته، وقد تعمّقت هذه الهوة بينهما أمام تعدد مؤسسات الثقافة والتربية في المجتمع الحديث. فاختلاف المعايير والوسائل المعتمدة في التربية بين الأسرة والمدرسة وغياب جسور التواصل بين الأولياء والمربين في بناء شخصية التلميذ الأخلاقية والسيكولوجية والسلوكية، أدت الى ظهور أزمة في تكوين هويته الشخصية. فقد وصلت الحالة الى نوع من الاستقالة التامة بالنسبة إلى أغلب العائلات في متابعة أبنائها، وغياب التكامل والتنسيق بين الأسرة والمدرسة في الإحاطة بالمتعلم، أدى الى حالة الاختلال المؤسسي والقيمي لكليهما، وتأسيس نموذج تربوي رديء.
وينبئ هذه التغيير والانحدار المتواصل في نسق التربية في مجتمعنا، بأن المدرسة أصبحت تعيش أزمة في جميع أبعادها التربوية والتعليمية، فالمدرسة ليست شجرة تثمر دون تربية نقية وماء مسكوب، وليست بمعزل عن الظروف المحيطة بها. ومن نتاج عدم التماثل بين الأنماط الثقافية المدرسية والعائلية، أن أصبح الطالب يعيش حالة اضطراب دائم وصراع متواصل وسط مناخ مليء بالمفارقات القيمية والسلوكية بينهما.
إن تعدد مصادر الثقافة التي تعمل بشكل تلقائي في المجتمع مثل: وسائل الإعلام والأندية ومنظمات المجتمع المدني التي أصبحت تمتلك فعالية أكبر في التنشئة الاجتماعية، أدى الى تراجع صورة المدرسة في في تصورات التلاميذ التربوية والعلمية، ففي زمن كانت فيه المعلومات محدودة، كان المعلم يمثل بالنسبة الى الطلبة ولأسرهم رسولاً يفتح أمامهم أبواب المعرفة، لم يعد لهذا المعلم الدور نفسه اليوم، ولم يعد من الممكن أن ينظر إليه كمرشد وحيد للمعرفة. فالسلطة العلمية المتناقصة للمدرسة، جعلت الطفل أكثر اعتماداً على المؤسسات الأخرى في توجيه سلوكه من خلال نماذجها ومبادئها، وهو ما أدى الى تراجع دورها في الدفاع عن خصوصية علاقاتها الداخلية - الثقافية والأخلاقية- وعلاقاتها الخارجية التي تربطها بمختلف مؤسسات المجتمع الأخرى. . لقد وقع شرخ في علاقة التلميذ بالمعلم، وبين التلميذ ولأسرة، وبين المعلم ولأسرة، وفي الكيان التربوي والتعليمي بأكمله. وقد تدعمت هذه التغييرات في السنوات الأخيرة من خلال ظهور المعلوماتية، التي غيرت بشكل كبير العلاقة القائمة بين المتعلم والفضاء المدرسي، وأدت الى ظهور بيئة تواصلية جديدة في المدرسة. بيئة تحاول أن تنشئ الأفراد انطلاقاً من قيم ومعايير تربية كونية.
وتظهر هذه الثقافة المدرسية الجديدة لدى المتعلمين من خلال كثرة الغيابات، وممارسة مختلف أشكال الاستهتار بالقوانين والقيم المدرسية التي تؤسس لقواعد العيش المشترك، وأهمها تزايد ظاهرة العنف المادي واللفظي ضد مختلف أصناف المربين في السنوات الأخيرة. كما أن تراجع دور المدرسة كفاعل اجتماعي أساسي في التنمية وضمان المستقبل في تصور الرأي العام، ساهم في تراجع سلطتها الرمزية في عملية الضبط الاجتماعي؛ لأن النجاح المدرسي الذي كان يمثل أفضل تعبير عن الأمن المادي وتحسين مستوى المعيشة بالنسبة الى الطبقات الفقيرة حلت مكانه النظرة اليائسة والمضطربة لدور المدرسة في الإيفاء بوعودها لدى العائلة، وبدأ الحديث يتكرر عن فشل المدرسة عوض الحديث عن فشل المجتمع في تطوير هذه المؤسسة، وهي صورة كانت قد تكونت على امتداد السنوات الماضية، نتيجة غياب الرؤية المتكاملة للإصلاح التربوي، وفشل أغلب الخطط والمشاريع التربوية في مواكبة التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع.
• مشرف تربوي