لقد اسهم مجموعة من العلماء الغربيين في التحليل الاجتماعي والثقافي في العالم, لمعرفة ما يجري في العالم اليوم، منهم ميشيل فوكو الفرنسي, وهابرماس الالماني, وبيتر برجر الامريكي، وماري دوجلاس الانجليزية الاصل ودريدا الفرنسي.
حيث عجزت المناهج السياسية والاقتصادية السائدة في العالم عن تفسير ما يجري في العالم ,وخاصة بروز الحركات الدينية كالصحوةالاسلامية وانبعاث القومية من جديد وتأثيرها المباشر على خريطة الدول , والاهتمام العالمي بحقوق الانسان في اطار ثقافات مختلفة.
لقد بدأت الحضارة الغربية بالانهيار وعدم سيطرتها على العالم, وبروز حضارات أخرى كاليابانيةوالصينية، مرافقة لنهضة اقتصادية كبرى حققتها اليابان، وتشق طريقها الصين، بالاضافة لبروزالحضارة الاسلامية على المسرح العالمي مرة اخرى.
لقد سقطت الانظمة الشمولية في العالم التي كانت تقوم على احتكار الحزب الواحد للسلطة,وصعود موجة الليبرالية والتعددية السياسية من خلال حركة الجماهير السلمية الايجابية ,التي خرجت لكي تقضي على الاغتراب السياسي والاقتصادي والثقافي الذي عانته طويلا .
بدأت مراكز الدراسات في العالم العربي دراسة هذه المتغيرات في العالم,ومعرفة مدى تكيفها وتطبيق ما يجري في العالم عليها .
لكن بدأ الخوف من الدول الكبرى قيام هذا المارد العربي للنهوض من جديد ,فقامت الدول الكبرى برئاسة الولايات المتحدة الامريكية بالتشجيع نحو حرب ظاهرها طائفي,شيعي –سني وباطنها مصالح .
يقال بانه اكتشف ان اليمن تقع على بحيرة من النفط ,وهذا يفسر التوجه نحو تقسيمها واشعال نار الفتنة بها ,ولتشغيل مصانع السلاح والسيطرة على المقدرات.
لقد انقسم العالم العربي الى سني ,كالسعودية ودول الخليج ومصر وتشجعهم تركيا ,والى شيعي في العراق وسوريا وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وتشجعهم ايران .
هذه الحرب التي لا تبقي ولا تذر سيكون المستفيد الاكبر منها هو اسرائيل,وتدعو الدول العربية الى الشرذمة والتقسيم ,ولا يقوم لها قائمة وتؤخر تقدمها لسنين طويلة ,وتمتص الحروب خيراتها وتفني شبابها.
مع العلم ان العالم العربي لم ير النور والاستقرار والهدوء منذ وعد بلفور ومنذ دخول الصهيونية لارض فلسطين .
لكن التطرف اصبح من علامات بارزة لمن غيب الابيض لحساب الاسود,اثرانكسارات في الفكروانحسارفي الوعي التنويري ,واصبح من الصعب جدا ان يضع الانسان اصبعه على مكان الجرح ,لأن المنطقة العربية –أرض الرسالات والاديان السماوية –غارقة في تشابكات الاحداث ولا احد يستطيع ان يقول انه يملك العصا السحرية للحل .
طالما ابتعدنا كثيرا عن المنابع الاساسية للارهاب , وطالما عجزنا عن توجيه الضربة القاصمة للشجرة التي تثمر هذه الحبوب المنومة للعقل والضمير العربي .
ان المنبع الاساسي للتطرف هو غياب الحس الوطني لدى الافراد وبروز نتوءات في الفكر.
لذا فان الدور الحقيقي يقع على كل مثقف وكل مسؤول ,بما يمتلكانه من أدوات فكرية ,على أساس نشر الوعي لدى الصغار اولا ,والدخول في المجتمع المدرسي والرياضي ,لحشد طاقاتهم ليفهموا معنى الانتماء والتضحية لانقاذ الاوطان .
قال شوقي :
اذا اصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا
لكن يجب ان يكون هناك استراتيجية للعالم العربي والانتباه جيدا لما يجري حولنا وما يدفعوننا اليه.
نلاحظ ان المنطقة اصبحت تقبع تحت نفوذ الدولتين الاقليميتين,ايران وتركيا ان ايران تؤثر على القرار في 4عواصم عربيةهي: بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء,وتستخدم نفوذها على الاقليات الشيعية في الخليج لتقويض الاستقرار في دوله.
أما تركيا فانها تساند الاسلام السياسي والمشاركة الفعالة في تغيير النظم العربية خاصة في ليبيا وسوريا ,وتسعى تركيا للعودة للمنطقة من خلال بوابة الخليج ,وتطرح نفسها كحليف استراتيجي وكوسيط لحل نزاعات المنطقة .
كما ان لها اطماع للسيطرة على شمال سوريا مستغلة حالة الضعف وما يجري بسوريا .
حيث يوجد في تركيا ثلاث فئات
فئة العلمانيين الذين يدينون بالولاء لافكار أتاتورك والمؤسسة العسكرية المستقلة ولكنها تدين بولائها للغرب وفئة الاسلاميين وهم اكثرية وتجربتهم معتدلة وتترك الحرية للافراد دون ضغط وجزء منهم يطمحون للعودة للدولة العثمانية والسيطرة على الدول المجاورة .
ايران وتركيا تستفيدان بالتأكيد من حالة الضعف والتمزق التي تسود العالم العربي.
لكن كليهما يملك أيضا العديد من مصادر القوة التي تمكنه من بسط النفوذ والهيمنة .
تركيا تملك قوة عسكرية هائلة , وعضو في حلف شمال الاطلسي ,واقتصادها ترتيبه السابع عشر على العالم ,وتروج من خلال قوتها الناعمة لمشروع سياسي وثقافي تعتبره نموذجا للعرب .
أما ايران وبالرغم من الحصار الاقتصادي ,فقامت بتطوير قدرتها العسكرية ,ووفقا لأحصائيات حديثة نشرتها مجلة الاكونومست,ارتفع متوسط دخل الفردالسنوي بها من 4400دولار عام 1993الى 13200عام2014واتسع حجم الطبقة الوسطى ,وارتفعت معدلات التعليم لتصبح مماثلة للدول الغربية ,وازداد الانتاج العلمي بنسبة 575%خلال العقد الاخير وتنشر ايران ما يعادل3مرات من الكتب التي تنشرها الدول العربية مجتمعة .
هذه امثلة لتعطينا الحوافز للعمل وتطوير اقتصادنا وبالسهولة يمكننا ان نحذو حذوهم ونسبقهم.
لكنني هنا اريد ان اضيف واتطرق ايضا لموضوع الاحتكار,حيث ثبت من تجارب العالم ان الا حتكار يؤدي الى حصر الاختيار في السلع التي يقدمها المحتكر,وبالتالي يتحكم المحتكر في السوق,سواء طور المنتج ام لم يطوره فهو يملك التحكم في السوق .
لذلك فهو لا يهتم بالتطوير او الاستثمار في البحوث التي تؤدي الى استثمار المنتج .
لقد اكتشفت الدول التي تدار بطريقة ديموقراطية ان الحكومات لا تسمح بالاحتكار ,ولديها من السياسات الحاكمة ,ومن النظم الرقابية على المحتكرين مالا يسمح بالتمادي في استغلال المستهلك او استغلال العمالة.
لقد اثبت التاريخ ان المستثمر لا يستثمر في رأس المال البشري ويستغل المستهلك ,وبالتالي تتقاعس التنمية ويكون الاحتكار سببا في انهيار الا قتصاد
وانهيار الانتاجية والبحث العلمي وبالتالي التعليم,سواء اكان المحتكر افرادا او مجموعات او حكومات .
هناك امل ان يدعى الشباب المبدع لتدعيم النقلة الديموقراطية لتطوير الامة لتنمية البشر والعقول ,والمشاركة في القرارللعمل لصالح البلد واجراء البحوث والابتعاد عن الا حتكار والتركيز على الانتاج وتطوير ثروات البلد وتعديل قوانين الاستثمار وتشجيعها في المشاريع الزراعية والصناعية والسياحية وتعيين الكفاءات القادرين على العطاء والراغبين في رفع شأن البلد وتطويره .
كما اننا يجب الانتباه للمعلومات عن تقدم الدول وتطورها ونحن في العالم العربي نملك الامكانات الهائلة وموقعنا الاستراتيجي الذي لا يستغني عنه العالم.ووضع استراتيجية لرفع شأن وطنناوالا بتعاد عن الشرذمة والتقسيم ,والاستفادة مما يجري حولنا لتطوير اقتصادنا والاهتمام بالتعليم والمناهج والثقافة حتى نعود لدورنا المحوري ومكانتا المرموقة في العالم .
قال الشاعر ابو القاسم الشابي التونسي :
اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر
ولا بد لليل ان ينجلي ولا بد للقيد ان ينكسر
dr.sami.alrashid@gmail.com