في عصرنا هذا ما هي المقاييس التي يقيم بها الرجل؟ هل هو منصبه؟ ماله؟ أصله؟ دينه؟ تحصيله العلمي؟ خدماته التي يقدمها للناس؟ احترامه عند الآخرين؟ نفوذه؟ كرمه؟ شجاعته؟ أم ماذا؟
في هذا الزمن الذي ران فيه الصدأ على القلوب؛ وانقلبت فيه موازين أشباه الرجال لإرتكاسهم إلى الأرض وتهافتهم على الفتات والقشور بنهم وشهية، أصبحت المقاييس والمعايير مختلفة، فالكل يلهث وراء مصالحه المشروعة ولكنه يعلم تماما بأنه يسلك طرقا ملتوية لتحقيقها، وبنظرة شرعية فلا يجوز ذلك؛ لان الشريعة تعبدتنا بالوسائل والغايات فيحب أن تكون غاياتنا مشروعة ووسائلنا إليها مشروعة أيضا، ولكن مع العصف الهائل الذي يجري في حياتنا اليومية من متناقضات وصراع وتجاذب، تخلينا عن تلك المبادئ وشرعنا لأنفسنا قوانين ذاتية ما انزل الله بها من سلطان، خطورتها تكمن في أنها لاقت رواجا كبيرا بين الناس فأصبحت ضرورة مسلم بها غلبت كل المبادئ لدى الكثير إلا ما رحم ربي ؛ ولا أبرئ نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء. وأصبحت ألان كرجل إذا لم تكتسب صفة وظيفية عليا، فلا قيمة لك وهذا خطأ فادح إلا عند من يعرفونك ؛ فأنت بالنسبة لهم المرجع والملاذ فعندما يتعرضون لأي حادثة يفزعون إليك، فتنهض معهم لقضاء حوائجهم وتنجح في ذلك ليس لأنك ذو منصب أو جاه ؛ لا بل لأنك ممن اختصهم الله في قضاء حوائج الناس، وبما أن الله سبحانه وتعالى اختصك في قضاء حوائج الناس فقد أعطاك سرا عظيما وهو القبول لديهم فترى نفسك لا تمضي في حاجة أخيك في الإنسانية إلا وقد أمضاها الله له على يدك، فتحظى بالقبول والاحترام دون عناء الوصول إلى المواقع العليا والتي كثير من أصحابها لا يملكون التأثير حتى على أفراد أسرتهم الصغيرة، مغلقين أبوابهم أمام الجميع، وفي الوقت نفسه الأبواب مفتوحة أمامهم ماداموا في مواقعهم ليس لشيء... فقط لمجرد بصيص أمل معقود عليهم من قبل آخرين فرضت عليهم مآسيهم أن يتعلقوا حتى بالقشة التي لا تنفع ولا تضر، ومع اختلال منظومة القيم الإنسانية فتجد هؤلاء يحظون بالاهتمام والدعوات والصفوف الأمامية وهم في نفس الوقت بعيدين كل البعد عن التأثير في مجتمعهم؛ بعد الأرض عن السماء. فلا الدين يكفي ولا الموقع ولا الشهادة العليا يكفيان في تقييم الرجال، فالرجل يقيم بمدى تأثيره على الآخرين، ومدى احترامهم له، وحرصه على مصالحهم، وان يحب لهم ما يحب لنفسه، ويقيم بمدى فاعليته وانجازه، وبمدى قيامه بواجباته على أكمل وجه، ولكن للأسف أصبحت الأمور مختلطة وكلنا نشارك في اعوجاجها، وليس لدينا الرغبة في التغيير؛ كالضفدع الذي عاش وسط المياه الساخنة فاعتاد عليها وإذا أخرجته منها إلى بيئة أفضل مات.