الكرامة على اجندة الاسرة والتعليم
د. صبري ربيحات
17-08-2015 08:01 PM
المقصود بالكرامة هنا ليس موقعة الكرامة ولا نقطتي الحدود الشرقية مع العراق والغربية مع فلسطين المحتلة بل الكرامة الانسانية والتي هي حق اصيل يصعب بدونه أن يتفاعل الناس باحترام على قدم المساواة ولا تتحقق الكرامة دون الوفاء بالحقوق الاساسية في العيش والامن والصحة والطمأئنينة والتعليم والعمل واشباع الحاجات الاساسية وحرية التعبير والتنقل والارتباط وممارسة المعتقد دون خوف والتواصل والاجتماع والمساواة مع الغير وحق الاعتراض والتقدم وغيرها من الحقوق التي تشعر الانسان بوجوده وقيمته وكرامته وموهبته .
والكرامة ليست نصاً في اعلان او اتفاقية او عهد اوقانون بل هي مكنة ينبغي ان يشعر الجميع بوجودها ويهتز المجتمع لغيابها....الكثير منا يتحرك في بيئته الطبيعية تطارده الريبة والشكوك وقلة التقدير وتجاهل حقوقه فتجده متوترا مندفعا يدافع عن احتمالات امتهان الكرامة التي قد يتعرض لها عشرات المرات وفي كل الاماكن .
نسمع كل يوم عشرات المرات من يقول ان فلان بهدل فلان...وان فلان سيمسح الارض بفلان...ومع ان ذلك لا يحدث الى على مستوى التهديد والادعاء والوعيد الاانه يعكس ظاهرة خطيرة تجتاح فضائنا العام والخاص وتقف مؤسساتنا التربوية عاجزة عن تعريف المشكلة و ايجاد البرامج الفاعلة للتعامل معها .
بعض الذين يتحدثون في التربية والتنشئة والديمقراطية يتلذدون في تعذيب من اوكل لهم مسؤولية تنشئتهم لدرجة تشعرك بانهم ينطلقون من افتراض مفاده ان الطبيعة الانسانية شريرة وان الله ساقه ليكتشف شرورها ويعجب باكتشافاته التي لم يسبقه لها احد..
الديمقراطية في الاسرة وفي التعليم خطوات اساسية لا بد منها للتحول لمجتمع ديمقراطي لكن ذلك لا يتم دون وجود فلسفة واهداف ومهمات واضحة للعمليات التربوية ومسيرة المجتمع ودور الاسرة بشكل ينسجم مع النظام العام ولا يتعارض معه...الامر في غاية البساطة لكنه يبدو معقدا بالنظر الى وجود بعض الثوابت التي تعترض مسيرة التحول والحرص على تغييب النظرية التي توجه العمل للدرجة التي اصبح فيها الحديث عن النظرية امرا مشينا وغير محمود بل انه اصبح مادة للتندر على اعتبار ان في الارتجال عبقرية تستحق الثناء.
اليوم كنت احد المتحدثين في الورشة التي جرى تنظيمها من قبل المركز الوطني لحقوق الانسان و بمشاركة اكثر من عشرين مؤسسة حكومية واهلية . في الجلسة الاولى جرى الحديث عن واقع حقوق الانسان في المناهج المدرسية حيث عرض الاستاذ صالح العمري الطريقة التي تناولت فيها المناهج الاردنية الحقوق في حين عرض الدكتور التربوي ذوقان عبيدات لما هو موجود وغائب في المناهج الاردنية...وبالرغم من اقلة الوقت المتاح للعروض الا انها نجحت في اثارة اهتمام الحضور وتساؤلاتهم حول الواقع التعليمي واسلوب ادارة وتخطيط وتنفيذ المناهج...
الدكتور عبيدات تحدث عن ما هو موجود وما هو غائب في مناهجنا وكيف تتعارض المعارف والامثلة والخبرات والاستخلاصات مع ثقافة وقيم حقوق الانسان....في غياب نظرية تربوية يصبح كل شيء مقبول وكل شيء قابل للنقد...وربما هنا يكمن السؤال وتكمن الاجابة.
فيما يتعلق بمداخلتي التي انصبت على دور الاسرة في بناء قيم وثقافة حقوق الانسان فقد انطلقت المداخلة من حقيقة ان التربية تهدف الى اعداد الاجيال للحياة وانها تتاثر بتعريف المجتمع للادوار المستقبلية التي يعد لها الافراد والخبرات الملائمة للاعداد مضافا لها اساليب وادوات واليات نقل المعارف والخبرات وبناء القيم والاتجاهات وتعليم السلوك المرغوب.
في حقيقة الامر هناك التباس في طبيعة الحياة و تآكل في ادوار الاسرة ونقص في المهارات الوالدية اللازمة للقيام بادوار التنشئة والاعداد وبناء الشخصية...فمنذ عقود والمجتمع العربي عامة والاردني بشكل خاص مستغرق في السؤال عن الهوية فلا هو اسلامي ولا هو تقدمي ولا هو براجماتي ولا هو قبلي تقليدي بل انه امضى كل العقود وهو يتأرجح بين ابعاد تتراوح بين الدين والتقاليد والعولمة والليبرالية والمحافظة والانتهازية... وقد وضع هذا الواقع الاهل في مأزق يصعب التغلب عليه فادرك غالبية الناس تردي العلاقة بين عمليات الاعداد والمستقبل وتباينت النظريات والخيارات.
بالمقابل تعرضت العملية التعليمية لسلسلة من التغيرات تحت عناوين التطوير والتحديث والانفتاح فاجتاحت المدارس الخاصة الفضاء التعليمي ليقبل ما يقارب ربع التلاميذ على التعليم الخاص واصبحت البرامج الدولية اكثر رواجا وتنامت نسب الطلبة غير القادرين على تجاوز عتبات النجاح لتصبح في حدود ال 60 % من مجموع المتقدمين لامتحانات الشهادة الثانوية العامة لدرجة اصبح معنى التطوير فيها العودة الى ما كان عليه التعليم في ستينيات القرن الماضي وتحويل مهمة التربية والتعليم الى ملف امني تتشارك فيه التربية مع الاجهزة الامنية والرقابية.
الاسرة التي كانت تتولى عمليات الاعداد والتنشئة للحياة في ازمة فقد تراجع دورها لحساب وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي والرفاق والشارع وعوامل التاثير الاخرى بما في ذلك المدارس وتقلص دور الاسر الى تقديم شذرات من الارشادات والتوجيه وتمويل انشطة الابناء التي تمتد على مدى الفضاءات المحلية والافتراضية.
لم تعد اسرنا تتمتع بخاصية الاتصال المؤثر الفعال والاشراف الكامل على انشطة وعلاقات الابناء وتدخلت انماط الحياة والتشريعات الجديدة لتضع حدا لاساليب التاديب التي كان يتبعها الاباء لتعديل سلوك الابناء وزجرهم وتوجه الابناء الى تقليد شخصيات خيالية والاقتداء بابطال افتراضيون بدلا من الاباء والامهات الذين كانوا موضع الاعجاب والتقليد والاحترام ونماذج حسية لما ينبغي ان يكون عليه سلوكهم.
الهجرة الى التاريخ والتقاليد والعقائد وطرائق الشيوخ والاسياد اضافة الى اعادة بناء ائتلافات وتجمعات قبلية جديدة لتلبية احتياجات الناس في مجتمع متغير تحديات كبرى تجتاح مجتمعاتنا العربية وتفرض تحديات على كل دعاة بناء المجتمع المدني فالحقوق والدستور والقانون تبقى نصوص على رفوف المكاتب وخزائن الكتب يستدعيها البعض في اللقاءات والندوات والورش ولا تاثير حقيقي لاي منها على مسيرة حياتنا اليومية الا بالقدر الذي نستخدمها لاستعراض مخزوننا المعرفي الذي يتضمن وجودها.