رسالة إلى أبي .. الذي رحل
هيا منير كلداني
17-08-2015 02:57 PM
لم أره منذ اثني عشر عاما..
أسمع صوتهُ وضحكته عبر الهاتف.. يقول لي: اشتقت لكِ ابنتي، هل ما زلت جميلة؟ هل نسيتِ طعم المنسف؟ لا تقلقي، سأطبخه لك كل يوم عندما تأتين، سأنتظركِ.
لم أستطع المجيء يا أبي! وأنتَ ملَلْتَ الانتظار..
أنتَ قرّرتَ الرحيل.. رحلتَ فجأة..
فجأة عبر الهاتف.. قالوا لي: رَحَل!
لماذا لم تنتظرني؟ كنت سأراك قريباً..
لِمَ رحلتَ باكراً؟ لم أقل لك كم أحبك -يومين قبل رحيلك- نسيت! تباً لي كيف نسيت! كيف لي أن أنسى!
افتحْ عينيك، أنا هنا الآن..
قل لي إنها إحدى نكاتك الممزوجة بالقهر،
قل لي إنك تحبّني، وإني أولى ثمار حبّك الأبدي لمحبوبتك..
لمن سأروي قصصي السخيفة وضحكات الطفولة الآن؟
لمن سأضحك بطفولة وعفوية.. ولمن أهمس بدون صوت عندما أكون متعبة؟
كيف لك أن ترحل بدون إنذار؟
أنا غاضبة منك وما زلت! ما زلت أنتظركَ لتراضيني.. لم أعهدك قاسياً يا مُنيري..
كم أكره رنّات الهاتف الآن.. تُذّكرُني برحيلكَ مع كل جرس،
وبرحيلِك أشعر أن نصفي قد مات!
كم أكره الساعة الثامنة مساءً.. كل يوم!
زوجتك حبيبتك، ما زالت تنتظرك محملاً بالأكياس، وأنت تقول لها: ستحبين ما أحضرت لكِ!
هل مللتَ الانتظار؟ أعرف أنك لم تكن صبوراً.. وأعلم كم كان اشتياقك مُعذّبا..
نَثَرتهُ فوق أوراقكَ الضائعة..
قلتَ لي، قبل يومين من رحيلكَ: اشتقت لكم جميعاً، عودوا لي! أراكم أطفالاً الآن، تلعبون حولي!
لم أفهم، لم أفهم حزنكَ وضعفك..
كيف لي أن أفهم، وأنت هذا الرجل الجميل، الطويل، القوي المفعم بالحياة الذي كان متأكداً أنه سيرى عِراقــَـهُ بخير قريباً! كيف لي أن أفهم ضعفك، وأنت تقول لي: كوني قوية، عهدتك قوية مثلي؟
نَمْ يا مٌنيري.. فبجانبك عزيز.. وطارق لمادبا!
عدْني أن أراكَ في منامي كي أحضنكَ، وأقول لك: أحبك أنا أيضاً- مع قبلةٍ كنت تضحك لها.
وداعا بل الى اللقاءِ في حلمـي..
ونَمْ يا مُنيري.. "عليك ضفائر شعري، عليك السلام"..
* أردنية مقيمة في ملبورن الأسترالية