مجلس الاعيان .. حاجة أم زيادة؟
العين م. محمد الشهوان
17-08-2015 01:10 PM
يحاول بعض الاخوة المجتهدين التقليل من اهمية وجود مجلس الاعيان، كركن اساسي في الهيئة البرلمانية الاردنيه، ويرى بعض هؤلاء ان مجلس الاعيان زياده لا لزوم لها، ولهم في ذلك اجتهاد سطحي في الغالب، ولا يعبر استراتيجيا عن رأي يمكن ان يعتد به، او حتى ان يناقش بجديه.
ينسى هؤلاء المجتهدون،او هم يتناسون، ان النظام السياسي الاردني الهاشمي الجليل، قام ونشأ ابتداء على قاعدة فكرية استراتيجية راسخه، تتمثل معادلتها في شقين متلازمين، هما الجمع الواعي بين الاصالة والمعاصرة على حد سواء، وبنهج ابداعي متكامل هو الاشد حرصا على صون الثوابت العربية والاسلامية، والاشد حرصا كذلك على محاكاة روح العصر وتطوراته، والانفتاح على كل ما هو عصري حديث يمكن توظيفه في احداث التقدم المطلوب.
من هنا تتشكل الهيئة البرلمانية الاردنية من جناحين او غرفتين هما مجلس الاعيان ومجلس النواب، فمجلس الاعيان هو التعبير الحي عن النهج الشوروي الذي يجسد الحكمة كنتاج للخبرة في سائر ميادينها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بكل تجلياتها، ومجلس النواب في المقابل هو تعبير حي يجسد ارادة جمهور الناخبين في اختيار ممثليهم ممن يرى هذا الجمهور فيهم، الأهلية لتمثيله بجدارة والتعبير عن همومه وتطلعاته بذات الجداره.
هذا يعني ان الهيئة البرلمانية الاردنية، اعلى شأنا من كثير غيرها عندما تزاوج بين الشورى والديمقراطية كأساس لمقاربة النهج التشريعي والرقابي، وفق آلية محكمة يمكن الاطمئنان الى مخرجاتها التي تجمع بين حماس الشباب وحكمة الشيوخ لو جاز التعبير، اي ان الدستور الاردني الجامع والمحكم حرص أيما حرص على رصانة المنتج التشريعي عبر توظيف أقصى درجات الوعي الوطني العام، وذلك باسناد ذلك الامر الحيوي والمهم الى مجلسين شقيقين هما مجلس النواب الموقر ومجلس الاعيان الموقر، وأتاح عقد جلسات مشتركة لهما في حالة التباين في الاراء، وصولا الى قرار مشترك بارادة المجلسين معا.
من هنا يغدو وجود مجلس الاعيان، والذي حدد الدستور فئات اعضائه، حاجة اساسية وليس زيادة كما يعتقد البعض، اما تلك الاراء التي تطالب بانتخاب مجلس الاعيان، فقد فاتها ان حق الانتخاب موجود لمجلس النواب، أي ان المبدأ موجود اساسا، ولذلك، تنتفي الحاجة لانتخاب مجلس الاعيان، باعتبار ان صلاحيات مجلس النواب تشمل امورا اساسية لا علاقة لمجلس الاعيان بها، كمنح الثقة للحكومات ونزعها عنها، فقد اثبتت التجربة البرلمانية الاردنية نجاعتها على مر العقود الماضية، حتى ان دولا شقيقة اخذت بهذا النهج الاردني، وأخرى تفكر جديا للأخد به بعد أن تيقنت من نجاعته تلك.
اعتقد بأن على المجتهدين في هذا المجال، أن يستحضروا تاريخ الدولة الاردنية كثمرة للثورة العربية الكبرى، والتي استندت فلسفتها بإرادة احرار الأمة وريادة الهاشميين الاخيار، على طموح قومي ديني انساني، غايته بناء الدولة العربية الكبرى، ولهم ان يلاحظوا مثلا، ان البرلمان الاردني يحمل اسم مجلس الامة، وان الجيش الاردني الباسل، يحمل اسم الجيش العربي،ولهذا بالطبع دلالاته العميقة التي استهدفت بناء نواة راسخة لطموح عربي قومي انساني اكبر هو موضع تطلع سائر شعوبنا العربية، اي ان النظام السياسي الاردني الأكثر رسوخا وقبولا لدى جماهير العرب الذين اختاروه ابتداء لقيادة ثورتهم الكبرى مطلع القرن الماضي، كان وما زال بحجم ذلك الطموح، وفي خدمتة،وبكل اخلاص، ومن هنا جاءت مخرجات هذا النظام المحترم، منسجمة تماما مع ذلك النهج العروبي القومي والأنساني،بحيث جمعت في ارقى تجلياتها بين ثابتين عربيين واسلاميين وانسانيين هما الشورى والديمقراطية معا وبما يلبي طموح مختلف الاراء والاجتهادات.
* مساعد رئيس مجلس الاعيان