الأصل أن أقول كش ملك، لأن هذا المصطلح يتعلق بلعبة الذكاء الشطرنج، وهي تعتمد على الذكاء فعلا، لكنني أتحدث الآن عن لعبة أخرى تتعلق بالذكاء والدهاء والنفس الطويل معا مع الحفاظ على الكرامة، وهذه اللعبة سياسية بامتياز، لا يتقنها إلا من فتح الله عليه بكل المقومات السابقة، ولا شك أن هذه اللعبة هي لعبة الصفقات وحسابات البيدر معا، وقد تم إتقانها، ولذلك تغيرت الأمور على الأرض، وبتنا نرى عاصفة الحزم في اليمن، تتراكض خلف قوات الحوثي وصالح، وتقول بأعلى الصوت ووضوح التشفي :"كش حوثي وصالح".
قبل توقيع إيران للإتفاق النووي مع الغرب، وضمانها دخول النادي النووي بسلام يخالطه دهاء، كنا نرى عاصفة الحزم تفرغ أثقالها، على رؤوس الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، والمناطق الأخرى، دون أن نسمع صراخا يخالطبه إندحار، بل كنا نرى قوات الحوثي وصالح، وكأنها تشم النسيم في ربيع مزهر.
بركات الإتفاق الإيراني النووي مع الغرب، بدأت تهل علينا حيرة تلو حيرة، لمن لم يلتقط الصورة في وقتها، ويستوعب التوقيت مع الحدث، وأول الساحات كانت اليمن، وأول الضحايا كان الحوثي وصالح، وها هي الشرعية في اليمن تتألق إنتصارا يتلوه إنتصار، وستأتي لحظة تبسط الشرعية سيطرتها كاملة على اليمن الذي كان سعيدا في يوم من الأيام، لكنه ما يزال أصل العرب.
لعبتها إيران بطريقة صحيحة، ورسمت خارطة الطريق إلى النادي النووي بالقلم والفرجار والمسطرة، وكان العزف في ساحات سجلت اليمن فيها إنتصارات لها ثمن، وجمعت من خلالها أوراقا سياسية إستثمرتها أيما إستثمار، وحققت من ورائها نجاحات باهرة، والآن حان وقت اللعب الجد، وقطف الثمار، وهنا لا بد من إكرامية للبعض.
الإكرامية في اليمن كانت حفظ ماء الوجه للطرف الآخر في لعبة اليمن، وما دامت إيران قد حصلت على بطاقة النادي النووي، فلا ما نع من التصدق على الآخرين بحسنة تحفظ لهم ماء وجوههم، وهذا ما يجري في اليمن.
المؤشر الثاني كان في العراق حيث حراك الجنوب "الشيعي"،وضد من؟ ضد الحكم الشيعي المهيمن في بغداد، وكانت المطالبات أقوى مما نتصور، وأولها المطالبة بإعادة كتابة الدستور الحالي وحل البرلمان، والغريب في الأمر أن "الدولة " في العراق لم تقم بقمع الحراك الجنوبي الحالي رغم قسوته، كما فعلت ضد حراكي 2011و2013، والأغرب من كل ذلك أن المرجعية العليا في النجف الأشرف قد باركت الحراك وأيدت مطالبه، فماذا يعني ذلك؟ والسؤال: هل هناك علاقة بين مبادرة هيئة علماء المسلمين في العراق "السنية" التي أطلقتها من عمّان السبت الماضي ودعت للحوار، علاقة بذلك؟ الأيام المقبلة ستكشف ما كان خافيا على الجميع.
الساحة الثالثة التي ستشهد تغييرا قويا في قواعد اللعبة هي سوريا، التي تشهد حربا أهلية لا مثيل لها منذ أكثر من أربع سنوات، إستخدم النظام فيها أعتى انواع الأسلحة، وكان مدعوما من قوى كثيرة من أهمها إيران، وهذا ما كان يحدد إتجاه أي تحرك لوضع حد للكارثة الدموية في سوريا، وكان الحديث عن الإستغناء عن بشار الأسد ضربا من الخيال ومن سابع المستحيلات.
بعد توقيع اتفاق النووي الإيراني، بدأنا نشتم رائحة جلية بأن بقاء بشار الأسد، لم يعد مطلبا معيقا أمام التغيير في سوريا، وبتنا نسمع حديثا يفيد بأن عبد الحليم خدام أصبح مطروحا كرئيس بديل للأسد، ولا أريد أن أقول أن "جملا محل جمل سيبرك"، حسب المثل العربي الشعبي الدارج.
ما لم نستطع تبينه في هذا الزحام هو ما تم الإتفاق عليه بالنسبة للساحة اللبنانية، وأخص مصير حزب الله، فهل سيخضع لقواعد اللعبة الجديدة؟ أم أنه سيكون مستثنى من أي لعب سياسي أو مقاصة سياسية تقوم على صفقة، ربما يكون لنا عنها حديث لن يتسم بالحيادية.
عموما مطلوب من الجميع، قراءة الإتفاق النووي الإيراني من جوانب وزوايا غير تقليدية، بهدف الإستزادة من المعرفة لا كيل الإتهامية ونحن غارقون في الإتهامية حتى ما فوق رؤوسنا بسموات سبع.