سماحـة بلدنا أكبر مـن أخطائـنـا .. !
حسين الرواشدة
17-08-2015 03:52 AM
في لحظة غضب يخرج أحدنا عن طبعه، وقد يخطئ ويسيء ويجرح اقرب الناس واحبهم اليه .هذا بالضبط ما فعله الزميل الكاتب جهاد المحيسن ، مع فارق بسيط وهو انه سجل لحظة الغضب هذه على صفحة تعوم في الفضاء الالكتروني.
كان يمكن ، بالطبع، ان نفهم هذا الشاب اليساري قبل ان نعاقبه، وكان يمكن ان نعلمه درسا في الاستقامة والاتزان والسماحة بدل ان نستدرجه الى طوابير الذين اصابتهم عدوى النكاية والانتقام بسبب ردودنا المتطرفة احيانا على تطرفهم ، لكن يبدو ان حساباتنا هذه المرة صبت في واد آخر..
امس قرأت للنائب الصديق الدكتور بسام البطوش كلمات جميلة وحكيمة جدا حول “محنة” المحيسن ، فانا مثله لا اتفق مع ما كتبه كما اختلف مع خطه السياسي ، لكنني لا استطيع الا ان ادافع عن حريته ، ولا يمكن ان انحاز الى الصامتين الذين يعتقدون ان مجرد الاختلاف الفكري مع اي شخص كفيل باشهار الشماتة به ، او تركه وحيدا يواجه مصيره دون ادنى تدخل.
اخطا زميلنا المحيسن، ولكن من يعرفه يدرك تماما انه لم يخلع ثوبه الوطني، ولم يستقل من مهمته التنويرية ، ولم يتعمد الاساءة لرموزنا الوطنية ، ولم ينضم الى “ميليشيات “ التطرف والارهاب ، ولم يتحرر من قيمنا الدينية ، كل ما فعله انه جهر في لحظة غضب بما لو تبّصر فيه لحظة اخرى لاستنكره وشطبه من صفحته، لكننا كما يبدو لم نعطه هذه الفرصة ولم نسمح له ان يعيد رسم الصورة التي تخيلها بشكل ادق للوطن الذي يحبه ، والمستقبل الذي يحلم ان يكون افضل ما يكون.
لا يوجد احد معصوم من الخطأ ، لكن هنالك فرقا بين يد تضل طريقها نحو الجريمة بعمد وقصد وبين قلم يضل طريقه الى فضاءات ملبدة بغبار الغضب ، اليد التي تقتل او تسرق تستحق ان تقيد بالاغلال، اما القلم الذي تنتابه لحظة نزق او جنون فيمكن ان نصوبه بمزيد من الحرية ، وربما الحوار والتوجيه.
ان اجمل ما ميّز بلدنا هو سماحته وعفوه عند المقدرة، وان افضل ما سجله الهاشميون من سجايا على امتداد حكمهم هو الصفح والتسامي على الاخطاء ، واذا كان من اسباب وراء هذا الامن والاستقرار الذي ينعم به بلدنا فمردها الى “الحكمة” التي تميزت بها بصيرة القيادة والشعب معا في كل الظروف وعند كل الملمات والمحن والشدائد.
قبل ان نعاقب ابناءنا على لحظة غضب او نزق كان يمكن (بل يجب) ان نستذكر مواقفهم، او نستنطق ضمائرهم ، او نمنحهم فرصة لاستعادة توازنهم ، وما اكثرها المواقف التي سجلها زميلنا المحيسن وهو ينحاز الى وطنه، فما الذي يمنع ان نغض الطرف عن خطأ عابر ، ونرد عليه التحية باحسن منها، او ان نبادله الخطا بالعفو، او ان نعيده الى الصواب بالكلمة الطيبة.. بدل ان نودعه في السجن وندفعه الى الخطأ مرة اخرى؟
هذا هو منطق الدولة الاردنية الذي الفناه ابا عن جدّ، وهو ذاته الذي اغرى زميلنا المحيسن للبوح بعيدا حتى ما وراء الخطوط الحمراء، لكنه بوح العاشقين لوطنهم والحريصين على امنه والمؤمنين بقيادته ، لا “ الكافرين “ به او الكارهين له او الخارجين عليه.
منطق الدولة هذا هو الذي حافظ على القيم التي آمنا بها جميعا واقمنا عليها وطنا حرا عزيزا ، وهو الذي يدفعني اليوم لاضم صوتي الى صوت الصديق النائب البطوش للانحياز الى الزميل المحيسن في محنته والمطالبة باطلاق سراحه ، وهو الذي يجعلني اكثر ثقة بسعة صدر نظامنا السياسي، واكبر املا برؤية هذا الشاب بين اسرته في اقرب وقت.
الدستور