نقضي معظم حياتنا بكوننا مبرمجين أو نقاوم البرمجة ضد أثر الكلمات علينا، ليس فقط نفسياً بل وجسدياً أيضاً. الجريمة، العنف، المرض النفسي، عدم الثقة بالنفس، الكآبة لها جذور في ما نعتقد به، ما نؤمن به يقود مباشرةً لما نقوم به. الكلمات لا تؤثر على الحالة النفسية فقط بل على وظائف الدماغ كذلك؛ فالدراسات العلمية أثبتت بأن كلمات مثل الحب والسلام يمكنها أن تقوي مناطق في الدماع وتحفز وظائفه كذلك وجعله أكثر مرونة وتكيف؛ والعكس بالنسبة للغة العدائية، حيث أن هرمونات التوتر النفسي تُعيق بعض وظائف الدماغ ومنها التحليل المنطقي واللغة.
كلما ركز الانسان على كلمات إيجابية كلما بدأ التأثير إيجابياً على وظائف الدماغ وتؤدي بالتالي إلى تقبل أفضل للذات وللناس. الرؤية الإيجابية تجعل الانسان ينحاز لما هو إيجابي لدى من حوله. بينما الصورة السلبية فتؤدي إلى الشك والقلق. مع الوقت تتغير منطقة المهاد نتيجة للكلمات الواعية التي يرددها الانسان لذاته أو يسمعها وهذا التغير يؤثر على كيفية إستقبال العالم الخارجي.
في جامعة هارفرد تم تدريس المحامين كيفية تهيئة زبائنهم للوساطة وحل القضايا ودياً. حيث تم تدريس تأثير الكلمات الإيجابية مثل المودة، الأمن، التفاهم وكذلك الصور الإيجابية ببداية أي مفاوضات بدل التركيز على موضوع الصراع. التركيز على الكلمات الإيجابية يؤدي إلى زيادة النشاط الكيميائي العصبي الذي يزيد من الشعور الجيد مع الذات والألفة والأمن.
الخطط الإدراية تصبح أكثر فعالية بإستعمال كلمات إيجابية ومشاعر إيجابية. فالمدراء لابد أن يكونوا حذرين لدى إستعمال الكلمات وحين إستعراض أداء الشركات وأن بعض الكلمات قد تؤدي لمشكلة أو تغلق بعض مناطق الأنشطة الإدراكية في أدمغة العاملين. وحيث أنك تستمع لنفسك أيضاً فلابد أن تعي تأثيرها على دماغك أيضاً.
الطفل الذي يسمع كلمات مُشجعة سوف ينضج وهو يشعر بالثقة بالنفس وينجح بحياته؛ بينما العكس سوف يُنتج شخص غير مستقر عاطفياً وعديم أو قليل الثقة بذاته. حياة الشخص تتغير حين يختار أن يزود نفسه ومن حوله بكلمات إيجابية وتشجيعية. العديد من الناس يضلون الطريق أو حتى يعيشون في الشوارع أو السجون لأن شخص ما لم يختار الكلمات الجيدة التي يجب قولها؛ ولم يسمعوا سوى الكلمات السلبية. بينما آخرون ينسبون نجاحهم لكلمات إيجابية كانوا يسمعونها.
الكلمات تمتد عبر الأجيال، الكلمات التي نقولها قد تُقال في الجيل التالي، هذه الدورة تستمر من جيل لآخر وهذا ما يفسر إستمرار نجاح بعض العائلات وفشل أخرى؛ إلا إذا قابل أحد أفراد الأسر شخص خارج هذه الأسرة شجعه ومنحه ما يحتاج من الثقة والتفاؤل.
الكلمات لها صوت وصدي، ولكن صداها ليس فقط في الهواء من حولنا بل في عقل وروح ونفس من حولنا، هي تؤثر فعلاً بنا، قد ننجح أو نفشل في الحياة بسبب كلمات، مجرد كلمات، ولكننا حين نزن ما نقول، وحين نؤمن بأن الكلمة لها وقع في النفس وفي الواقع سوف نكون أكثر مسؤولية تجاه ما نتفوه به. حين ينتابنا الغضب نسمح لأنفسنا بقول كل ما يجول بأفكارنا، كلمات جارحة بل قاتلة، ثم نندم وقد نعتذر أو لا نعتذر ولكن الحقيقة أن من سمعها لا ينساها لأنها جرح في النفس.
وأكثر من يتأثر بالكلمات هم الأطفال، لأنهم ينظرون إلينا بالأمل والتفاؤل وكلماتنا تبني شخصياتهم وتمنحهم الثقة بالحياة أو الخوف منها، حب الحياة أو كرهها؛ قد نكون قتله ونحن لا ندري حين لا نعقل كل كلمة نقولها. قد ندمر ونحن لا ندري حين لا نفكر بما نقول؛ نحن من أشد المجتمعات حاجةً للتفكير بالكلمة وبصداها ووقعها وتأثيرها. فكلمات صغيرة وقليلة بنت حضارة مجتمعات، بل أنقذت مجتمعات من الدمار الإجتماعي والإقتصادي، وكلمات قليلة دمرت صروح عظيمة. إمنح لنفسك الوقت فيما تقوله لذاتك وفيما تقوله للآخر، فكل ما في الوجود من كلمات وتصرفات له إنعكاس وصدى في العالم المادي، ما تفكر به هو حياتك، وما تقوله سوف يشكل جزء كبير من حياتك؛ فمثلما تنتقي أجمل الأثاث لبيتك، وأجمل الثياب لجسدك الأحرى أن تنتقي أجمل الكلماتك لروحك ولمن حولك.