يبدو ان نتيجة ما اخذت بالتبلور، وربما ان اطراف الصراع الداخلي في الاقطار العربية التي تشهد حروبا اهلية قد اقتربوا من التوصل الى حقيقة مهمة مفادها ان هذا الصراع الداخلي غير قابل للحسم بالقوة، وان البديل هو الجنوع للسلم وممارسة عملية سياسية تقود عندما تتحقق الى حلول حضارية سلمية.
لقد شهدت الايام القليلة الماضية تحركات سياسية في المنطقة تدعم هذا التحليل، فقد حط ولي العهد السعودي بشكل مفاجئ في موسكو في حين توقف وزير الخارجية السوري في طهران وهو في طريقة الى مسقط، قبلها بايام عقد اجتماع نادر في الدوحة ضم زير الخارجية الامريكي ونظراءه وزراء خارجية روسيا والسعودية وقطر، في نفس الوقت الذي شهد زيارة نادرة لوفد يمني حوثي الى مسقط تزامنت مع زيارة وزير خارجية ايران الى سوريا وتبعها بزيارة موسعة الى لبنان.
كل هذا النشاط السياسي المحموم احتدم بعد حادثتين ذات مغزئ كبير، تمثلت الاولى بعقد ايران اتفاق مع الغرب حول برنامجها النووي مما سيطلق طاقة اضافية كبيرة للتأثير الايراني في المنطقة وهي الحليف الاستراتيجي الاول لسوريا الدولة وتمثلت الثانية في تخلي تركيا عن حيادها الايجابي في الحرب الدولية المعلنة على داعش، وفجأة اعلن اوردغان ان طائرات التحالف الدولي المناوئ لداعش ستطير من قاعدة انجيرلك التركية وهي قاعدة متاخمة للارضي التي تسيطر عليها داعش في سوريا واعلن ايضا ان القوة العسكرية التركية ستستخدم في الحرب على داعش وعلى عدو أخر لتركيا هو حزب العمال الكردستاني.
امام هذا المشهد المتحدم بالتحركات ذات الطابع السياسي، يقف المراقب حائرا في تفسير المغزى الحقيقي لكل هذا الذي يجري خارج نطاق المعادلة المعتادة في المنطقة منذ سنوات، فخلال السنوات الاربع الماضية كانت خطوط المواجهة لا تعرف الا الحرب والتهديد والوعيد اما الان فالمؤشرات اخذت تشي بمواقف اقل تصلبا واقرب الى العمل السياسي منها الى العمل الحرب.
من هنا اعتقد، ان هذا التغير او لنسميه بداية التغير في المواقف نابع من تأثير عاملين اثنين: الاول ان اطراف الصراع في الحروب الاهلية في سوريا واليمن وليبيا وفي عموم المنطقة قد انهكهما الصراع وتكشفت الحقيقة المؤكدة التي مفادها ان هذه الصراعات غير قابلة للحسم العسكري والثاني ان اموال البترودولار التي استخدمت لتغذية هذه الصراعات قد نضبت بعد ان خسر سعر النفط اكثر من ستون بالمائة من قيمته خلال العام الماضي، مما يعني ان الضخ السخي للسلاح والمال سيصبح شحيحا او ربما سيتوقف كليا قريبا..
اجمالا، الايام القادمة ستلقي المزيد من الاضواء على مسار تطورات الاحداث المستقبلية في المنطقة.