الخيار العسكري: المؤتمر في موسكو والصدى في عمان
علاء الفزاع
16-08-2015 01:27 AM
اللهجة الحادة التي تحدث بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في واشنطن ربما كانت مزعجة لوزير الخارجية الروسي لافروف، ولكنها ينبغي أن تكون مقلقة للغاية لمن تلقاها في الأردن. الجبير يؤكد على وجود خيارات عسكرية للإطاحة بالنظام السوري، وهذا بالذات ما ينبغي أن يتحسب له الأردنيون، حيث أن المعنى الوحيد لذلك هو فتح جبهة حقيقية عبر الحدود الأردنية.
الخيارات العسكرية للإطاحة برأس النظام السوري تنحصر عبر جبهتين: الحدود التركية أو الحدود الأردنية. في الشمال السوري لا تأمل تركيا في أكثر من تحجيم القوة الكردية المتصاعدة بشكل صاروخي هناك. تركيا تكاد تكون الدولة الإقليمية الأكثر تماسكاً والأقل مشاكل داخلية، وتعتبر من عمالقة الاقتصاد في الشرق الأوسط ووسط آسيا وجنوب أوروبا، ولديها جيش ضخم وقوي ومدرب ومختبر، ورغم كل ذلك تقول بوضوح أنها لن ترسل جندياً تركياً واحداً عبر الحدود. همها الأكبر ينحصر في منطقة آمنة، وإن كانت تأمل أن تصبح بعد ذلك منطقة عازلة. أما المعارضة السورية في تلك المناطق فرغم أنها أكثر تنظيماً وأقوى بما لا يقارن بالمعارضة في الجنوب السوري فإنها تبدو بعيدة للغاية عن دمشق، وكل ما تأمل فيه في هذه المرحلة هو الالتفاف على حلب، أو إجبار قوات النظام على المزيد من الانسحابات لحماية الساحل. ولكن عينها ليست على دمشق في القريب العاجل.
فوق كل ذلك، الجبير لا يستطيع الحديث نيابة عن الأتراك.
أما بالنسبة لمجموعة زهران علوش التابعة للسعودية فأقصى ما تستطيع فعله هو قصف دمشق بالهاون وبعض الصواريخ، رغم أنها المليشيا الأقرب لدمشق.
إذاً فالجبير يتحدث عن المنطقة الجنوبية، وهي التي كانت منذ نهايات عام 2011 بعهدة السعودية إلى حد كبير. فلنتذكر أيضاً أن الجبير كان في عمان قبل توجهه إلى موسكو. ولكن لا يمكن إسقاط النظام السوري من الجبهة الجنوبية إلا بقوة نارية وإسناد مباشر يتجاوز بكثير ما هو موجود حالياً، خصوصاً بعد الفشل الذريع لعواصف الجنوب بنسخها المتعاقبة. أي تحرك جاد لإسقاط النظام ينبغي أن يضم قوة من عشرات آلاف المقاتلين المسلحين بأسلحة أقوى بكثير مما هو موجود حالياً، مع ضمان حد أدنى من الغطاء الجوي، وتوافر عدد معقول من الآليات والمدرعات والدبابات. كل ذلك يعني رفع فرص النجاح، ولا يضمن بشكل نهائي تحقيق الهدف، فلا أحد يعرف كيف سيرد حلفاء النظام السوري.
نفس التجهيزات ستكون لازمة وإن بمقادير أقل إن كان هناك حديث عملي وقابل للتطبيق بخصوص المناطق الآمنة أو العازلة. وكلا السيناريوهين سيتطلب إن عاجلاً أم آجلاً تحركاً عسكرياً أردنياً داخل الأراضي السورية لأسباب لوجستية ولضمان عدم تدخل قوى معادية كداعش مثلاً.
ماذا يعني ذلك على الأمن الوطني الأردني؟ إنه يعني المخاطرة بتلقي رد فعل مباشر من قبل النظام السوري، على شكل صواريخ أو قذائف أو مدفعية أو خلايا نائمة على امتداد الداخل الأردني. ولكن هذا ليس أخطر ما في الموضوع.
جر الأردن إلى ساحة جنوب سوريا يعني حتمياً دخول قوات أردنية. يخدع نفسه كل من يعتقد أن فكرة الحزام العازل آمنة وأنها ستعتمد بشكل كلي على قوى مدعومة عن بعد. كانت لتكون آمنة بالنسبة للإسرائيليين في جنوب لبنان وشريطهم فيه، وكانت لتكون آمنة بالنسبة لأمريكا في فيتنام وكوريا الجنوبية. واقع الأمور أن التحركات العسكرية عبر الجبهة الأردنية، سواء لإسقاط النظام أو لمجرد الاكتفاء بمناطق آمنة، تعني في النهاية تحركاً عسكرياً مباشراً. وهناك ستصبح تلك القوات في أرض غريبة عليها، مستهدفة من النظام السوري ومن داعش التي لن تضيع الفرصة، ومن النصرة في مرحلة ما، ومن الكثير من الفصائل السورية الجنوبية التي لا تخفي عداءها الشديد للأردن. هذا هو السيناريو الذي نحذر منه منذ عدة أعوام والذي يعني فعلياً استنزاف الجيش خارج أراضيه وكشف الساحة الداخلية، وهو بالضبط ما يريده كل أعداء الأردن، وليس فقط داعش. الأكثر من ذلك هو أن الكثير من الأسلحة المتطورة والثقيلة التي قد يتم تسليمها للمعارضة ستنتهي إن عاجلاً أم آجلاً لتوجه إلى الأراضي الأردنية، حيث من المحتم أن يقع بعضها في أيد معادية وسط فوضى المليشيات والسلاح والفصائل في عموم الأراضي السورية، وهو ما تكرر كثيراً قبل ذلك. إذاً فلنتخيل الحال عند وقوع دبابات ومدفعية وصواريخ مضادة للدروع في أيدي النصرة على حدودنا بالضبط، على بعد عدة كيلومترات من الرمثا والمفرق، أو في أيدي بعض أصدقاء اليوم من هذا الفصيل أو ذاك ممن سينقلبون إلى حضن داعش بعد شهور، وهو ما تكرر أيضاً وبكثرة!
أكثر من ذلك، هل سيتمكن الأردن من تحمل الكلف البشرية والمالية لأي تحركات مماثلة؟ وهل يستطيع الأردن أصلاً أن يركن إلى دعم خليجي وهو لم يحظ بمثل ذلك الدعم طيلة أعوام، بل كان تحت حصار مالي خليجي وقطيعة دبلوماسية من قبل بعض الأشقاء؟ هل ارتقى الدعم الخليجي في موضوع اللاجئين إلى الحد الأدني المعقول؟
ليس واضحاً بالضبط كيف يفكر السعوديون في هذه المرحلة، وليس واضحاً ما إذا كانت تصريحاتهم في سياق الضغط أكثر لتحصيل المزيد من التنازلات والتلويح بالقوة العسكرية لإجبار حلفاء الأسد على التفكير في تنحيته سلمياً، ولكن ينبغي أن يكون واضحاً أن خططهم هذه مهما كانت تتعلق بساحة ليست ساحتهم، وبأمن ليس أمنهم. إنها ساحتنا ووطننا وأمننا وجيشنا. وينبغي أن تكون رسالة نظامنا واضحة وضوح الشمس في هذا الصدد. بغض النظر سواء أرحل رأس النظام السوري أم بقي، وبغض النظر عن أية سيناريوهات تصعيدية أو تسووية، وبغض النظر عن أي شيء يجري في الداخل السوري ومهما يكن ألمنا له، يبقى من مصلحة الأردن أن يظل الجانب الآخر من الحدود في يد قوات نظامية، وهذا ما حافظنا عليه طيلة سنوات الأزمة.