غزوة "المصيدة" .. وابراهيم غرايبة
13-08-2015 04:26 PM
غزوةُ موقع "المصيدة" ضدّ ابراهيم غرايبة، تصلحُ نموذجاً، لقراءة "الجهاد الالكترونيّ" خطاباً وتدبيراً وتنفيذاً: اللغةُ من خشبٍ قديمٍ. المحتوى ثأريٌّ بدائيّ. التحريضُ مستعارٌ من أنظمة الاستبداد العربي، الحليفة التاريخية للإسلام السياسيّ، في وجهِ كلّ كُوَّة تنويرٍ وضوء. ثمة خريطةٌ رملية واضحة، قَبْلَ شنّ "الغزوة". حددت الأهدافَ، ومواقعَ الرُماة. وهم جميعاً مُلثّمون، عهدوا إلى مُلثمٍ منهم إطلاق السهام على ابراهيم غرايبة، على اسمه وكتبه وتفاصيل حياته وخبزه، على إنها سهامٌ من سيسبان، وقد طاشت، لضعف بصر الرماة وبصيرتهم.
لا جديدَ في ذلك. هذا تكتيكٌ معروفٌ ومكشوفٌ وشائع. كاتبُ مقال "المصيدة" مُلثمٌ، لا نعرفُ له اسماً ولا وجهاً، سوى أنه "مجاهدٌ". الجهادُ بالجهادِ يُذكر، واللثامُ باللثام يُذكر، بعد "شفاءِ الصدور" من ابراهيم غرايبة، فقبلَ عامٍ اقتادَ رجالٌ ملثمون من "حماس" أكثرَ من عشرينَ فلسطينياً إلى ساحةٍ عامة في غزة، وأعدموهم. أطلقوا النارَ على رؤوسهم على مرأى من شعبٍ ينزفُ من العدوان الاسرائيلي على القطاع. التهمة هي "التخابرُ مع العدو". أما المحكمةُ والمحاكمةُ بشروطها ومعاييرها وقوانينها فغائبتان. لماذا اللثامُ على الوجوه. ماذا فعلَ "الجواسيسُ" بالضبط. كيف ثبتت التهمةُ. هل من محامين ومرافعات وأصول وإجراءات. لا يعلمُ أحد. ما نعرفه جيداً أنّ المجرمَ النازيَّ بنيامين نتنياهو لا يسلكُ هذا الدرب. إنه أسلوبُ أبي بكر البغدادي، والدواعش في سلوك العصابات وإرهابها.
أقلُّ ما يُمْكِنُ أنْ تُوصفَ به "غزوةُ" المصيدة، أنها تفتقرُ إلى قانون الحرب وناموسها وأخلاقها. تنقّبَ المجاهدُ، ولم يدع لخصمه حقّاً بديهياً في معرفته ومقارعته، ولا أسهل من استقصاء تاريخ رجلٍ مثل ابراهيم غرايبة كاتباً وباحثاً ومُدوّناً. "غوغل" يوفّر ذلك، بقليل عناء. لكن مَنْ يأبهُ لقيم النقاش المعرفيّ وأصوله.
بدأَ الملثمُ هجومه من موقع "ويكيبديا" ونسخَ عنه تعريف "التجديف" لغةً واصطلاحاَ، وراحَ يجمعُ كثيراً من الجمر، على رغيفٍ لم ينضج. وهذه ليست غايةُ "المقال". وإنما محضُ توطئة، ليذهبَ في "تجديف" شخصيّ بحت، مستعرضاً نشأةَ ابراهيم وخلفياته الفكرية والتنظيمية، ومستخدماً لغةَ، لا تخلو من دَرْوَشةٍ، وتواضعٍ في السرد والاقناع. فإبراهيم، وفقا للملثّم "يقذفُ علماء ودعاة" وهذه من الكبائر، ثم يتعرض الى "حماس"، ولديه دوافعُ عنصرية "شرق-أردنية" ضدّ القياديين الفلسطينيين في جماعة "الإخوان المسلمين" فهو يدعمُ تيار الحمائم، ويهاجمُ تيار الصقور. هذه بداية تجديف الغرايبة. أما أدلّة الملثم، فهي لا تعدو أن تكون آراء نقدية كتبها ابراهيم باسمه الصريح، ولا تصلح شواهدَ دامغة على أنه "عنصريٌّ" و "قّذّاف". دونكم الاقتباسات في الموقع. فهي تسعى بشراسةٍ إلى رفع "الاخوان" و"حماس" الى منزلة مقدسةٍ، لا يستقيمُ معها رأيُ ناقد، مهما اعتدلَ في الدلالة والمعنى.
وعلى غرار، "العرط" الأردنيّ المتعاضدِ مع الشخْصنة التي تسعى الى اخفاء الشتيمة والإساءة واغتيال الشخصية، فقد ظهر لنا الملثّمُ متقمّصاً سيغموند فرويد، ليحلّلَ شخصية ابراهيم التي تعاني من الفقر، بصفتها "عقدة نقص"، وتناسى أنّ 80% ربما، أو اكثر من الأردنيين يعانون من تلك "العقدة". كما يعاني ايضاً ابن قرية الهاشمية في محافظة عجلون من عقدة "الغيرة" من خالد مشعل تحديداً. لا أعرف فعلاً إذا كان ابراهيم نافسه على رئاسة المكتب السياسي لـ"حماس". كلّ ما أعرفه أن خالد مشعل تولى منصبه، بسبب توقيف الدكتور موسى ابو مرزوق العام 1997 في الولايات المتحدة، فيما كان ابراهيم يبحث عن عمل اضافي، لسداد ديونه.
تجاوزوا هذه، فالكذبُ فيها مفتولُ العضلات، وتعالوا الى قول الملثم بأن ابراهيم عندما عاد من الدوحة "احتضنته الأجهزة الرسمية". كيف؟. لقد حصل ابراهيم على وظيفة باحث في الجامعة الأردنية، مثل أي مواطن أردنيّ، ومثل أساتذة الشريعة الاسلاميين في الكليات المتوسطة والجامعية، ومثل قادة جماعة "الإخوان" ومنتسبيها الذين يعملون في الوزارات الهيئات الحكومية، وكانوا وزراء، ولكن دون "احتضان". إنها مصافحةُ بأطراف الأصابع!!
طبعا، هذا تعبيرٌ مقصودٌ في قُبحه: "احتضنته الأجهزة الرسمية". يعني الجهات الأمنية، وقد سعى الملثّمُ لإثبات ذلك، لكن محركات البحث، لم تسعفه باقتباس واحد. فإبراهيم عندما يكتب عن الاسلام السياسي، فذلك من موقع نقديّ تنويري، ولا يقدم فاتورةً لـ"الأجهزة الرسمية".
ما تبقى من الغزوة عرضَ تحوّلاتٍ بشريةٍ مألوفةٍ في مسيرة الوعي الانساني. دفاع ابراهيم عن العلمانية، هو دفاع من قرأ درسه وفهمه، ثمّ ذهب في تحليل المضامين والأفكار، دون استعصاء ذهني وجمود، ومثل ذلك، فإنّ نقده العلمانيةَ والعلمانيين من متطلبات ذلك الدرس، وذلك الفهم.
وبتقصّد ينطوي على وافرٍ من التسطيح، أخرجَ الملثمُ تدوينات ومقالات لإبراهيم من سياقها الساخر، أو من إحالاتها الرمزية، وكفّره بها تكفيراً مُبيناُ. مثل "الله أردني" و"البوست" الذي نشره على "الفيسبوك" ودوّن فيه عن تأرجحه شخصياً، والآخرين في التصنيف الذاتيّ: "ليبرالي، اسلامي معتدل، مخابرات اميركية، قرآني، مُلحد، ماركسي، علماني، لا أدري... الخ". ولم ينس له مقالا عن الاضاحي، و تغريدةً عن الجدوى الاقتصادية لتصدير النبيذ. وحين أفلسَ الملثمُ لجأَ الى تحريض واستقواء، محموليْن على الاستنتاج، وهذا شأنٌ لا تتقنه حتى "الأجهزة الرسمية". قال حرفيا "لم يوضح لنا غرايبة المقصود بالحرية والابداع، فهل السماح بزواج المثليين، هو أحد ضروب الحرية التي ينادي بها غرايبة، مثلا..؟"..
أختمُ، بنصيحة الملثمّ ومصيدته القديمة، بما يُثير الاسى والشفقة. في المرة المقبلة لا تكن شبحاً. ضع اسمك وصورتك. أو اختر لك اسمها مستعاراً، مثل "ابي حذيفة". ما رأيك بـ"أبي همّام". ثم لا تجهد نفسك في غزوةٍ الكترونية، تكتبُ فيها 2500 كلمة عن فلاحٍ من عجلون. اختصر التعبَ والبحث، وعليك بـ"مجلس علماء الشريعة" في "الإخوان"، فهو في عطلة رسمية، بعد انقضاء "الفسق والمجون" في مهرجان جرش. الحلّ لديه في "مجموع الفتاوى". أي عند ابن تيمية الحراني، فمن كان مثل ابراهيم غرايبة "يُستتاب، أو يُقتل".
baselraf@gmail.com