توضيح على توضيح : بعيدا عن الايحاءات والتأويل ،والحرب على تاريخنا الوطني، واتساءل بعد كل هذا لماذا حكم على رفعت عودة بالاعدام؟
د.بكر خازر المجالي
قرأت باهتمام واحترام ما كتبه الاخ الدكتور غازي رفعت عودة عن اشارتي ضمن مقالتي في (عمون) عن اغتيال الشهيد الملك عبدالله الاول ،وعن محاولات الاغتيال التي وصل عددها الى سبعة محاولات على مدى 30 عاما من فترة قيادته وربما ثمانية ، واشارتي الى اشتراك المرحوم والده رفعت عودة في احدها ،
اتصل معي الاخ احمد سلامة (ابو رفعت ) من البحرين قبل اسبوعين تقريبا ونقل لي عتب اهل رفعت عودة على اشارتي تلك، وقلت له ان مصدري لهذه المعلومة تحديدا هي من المرحوم حكمت مهيار الذي كان وقتها مديرا لمباحث عمان وقد قابلته في منزله على الدوار الثالث في جبل عمان مرتين: وقال في كل محاولة اغتيال كنا نعتقل المشتبه بهم ومن هم المعارضة والناشطين السياسيين والحزبيين والمعروفين لدينا والتحقيق معهم ، واورد ذكر الدكتور رفعت عودة في احداها ، وقال لي الاخ الكبير احمد سلامة انه اطلع على وثائق حكمت مهيار وان هناك العديد من الملاحظات عليها .
هذا من ناحية ،من ناحية اخرى اتمنى على الاخ الدكتور غازي عودة عدم اطلاق كلمات الاوهام والتخيلات وغيرها ، فليس لي أي قصد سوى القاء الضوء على الجوانب التاريخية لنقل معرفة تختص في موضوع الثقافة الوطنية ،وقد استهويت الاشارة الى الدكتور رفعت عودة لانه هو المدني الوحيد بين كل الذين شاركوا في محاولات الانقلاب والاغتيال في خمسينات القرن الماضي. وحين اتلقى ردا مثل رد الدكتور غازي فاعتقد من المناسب توظيفه لمزيد من الايضاح وتصويب التاريخ الذي فيه اجرام كثير بحق الشخصيات الوطنية الاردنية ،واكثر تاريخ يتعرض للتجريح هو تاريخ الأردن وقيادته خاصة فيما يتعلق بدورنا في فلسطين على مدى اكثر من سبعين عاما ، ولا زال التعريض في تاريخنا مستمرا وليس لدينا الا محاولات خجولة في التوضيح والتثقيف ،
واشير الى ان المرحوم الدكتور رفعت عودة ومنذ تخرجه من ايطاليا عام 1939 بدأ بممارسة النشاط السياسي الوطني وانضم الى حزب البعث العربي (و لم يكن هناك اشارة لذلك في سيرته الذاتية ضمن الرد ) من هنا جاء الخلاف مع القيادة الهاشمية الاردنية التي كانت تسعى الى تنفيذ مشروع سوريا الكبرى وهو مناقض تماما لفكر حزب البعث الذي لا يعترف بأي مشروع نهضوي اخر واعتبر مشروع النهضة المنبثق عن الثورة العربية الكبرى هو مشروع مضاد يجب وقفه وغير ذلك ، بل اعتبر ان حزب البعث هو البديل عن مشروع الثورة العربية الى الحد الذي تبنى فيه حزب البعث علم الثورة العربية له لتأكيد انه البديل ، ولهذا نجد ان معظم محاولات الاغتيال والانقلاب هي ذات مصدر واحد هو حزب البعث وبمساندة ناصرية ايضا في بعضها.
وحقيقة اخرى لم اكن اعرف العلاقة والقرابة بين المرحوم صادق الشرع( ابن الشمال البار ) ،والمرحوم الدكتور رفعت عودة غير علاقة الاشتراك في الانقلاب الفاشل عام 1958 والحكم عليهما بالاعدام الا بعد زيارتي الى بلدة بديا/نابلس اوائل هذا العام في اطار دراسة عن مراكز الشرطة وتاريخ الامن العام ،وكان استقبالا اخويا وعاطفيا حميما من الاخ سليمان طه رئيس بلدية بديا ومجموعة من اهالي البلدة في دار البلدية ، وعرفت يومها ان بديا هي بلد رفعت عودة وصادق الشرع واحمد سلامة ،وأخذنا الاخ سليمان الى مخفر الشرطة الاردنية في عهد وحدة الضفتين في البلدة وشرح لنا عن اهتمام البلدية بهذا المركز الذي يجري ترميمه والحفاظ على هيئته الاصلية ،وتحدث هو ومجموعة من اهل البلدة عن الاحترام والتقدير وعن عمق المشاعر الاخوية الاردنية الفلسطينية ، وهذا ليس في بديا فقط بل في كل البلدات الفلسطينية التي حين تزورها تشعر بمعنى الوطنية الفلسطينية الاصيلة ومدى الاحترام والفهم لحقائق التاريخ وادراكهم للدور الاردني الصحيح والداعم بمصداقية بلا منة او مزاودات وغير ذلك.
وايضا زرت المرحوم معالي صادق الشرع عام 1997 في منزله على دوار الواحة(قبل ازالة منزله بعد وفاته و مكانه الان ساحة فارغة ) وكان الحديث عن حرب 48 وقد كان ضابطا حينها ،وعن الاتحاد العربي الهاشمي مع العراق عام 58 وكيف نجا باعجوبة من تلك المذبحة البشعة بحق الاسرة الهاشمية يوم 14 تموز وكان ضمن الوفد الاردني في بغداد ،ويتحدث بلغة الغيور والمخلص والخبير والمتفهم للحقائق وهو اول وزير للتموين في الأردن ، وتناولنا العديد من المواضيع وقد نشرت ذلك في سلسلة حلقات تلفزيونية ،وصادق الشرع كان شريكا مع رفعت عودة ومع آخرين عام 1958،وتحدث الي عن كيفية الغاء حكم الاعدام بحقه وحق رفعت عودة ، وقال لي انه بعد حادثة اغتيال الشهيد هزاع المجالي يوم 28 اب 1960 وكانا في السجن ومحكومين بالاعدام انه لم يتم تنفيذ حكم الاعدام لسببين :
الاول : حكمة المغفور له الملك الحسين الذي لم يعدم في حياته أي محكوم لاسباب تتعلق بالاعتداء على حياته .
الثاني : هو دور المشير حابس المجالي قائد الجيش حينها الذي وبعد حادثة اغتيال الشهيد هزاع ابن عمه وزوج شقيقته قد اقترح على جلالة الملك بالغاء احكام الاعدام لان الظروف لا تتناسب مطلقا وقد تتسبب في خلق حالة احتقان وكأننا نريد الثأر والانتقام .
ومن جهة اخرى فان ملف اغتيال الشهيد الملك عبدالله الاول الذي لا يسمح بالاطلاع عليه حتى الان في دار الوثائق البريطانية (وهو تحت رقم 75375)والذي تم تمديد الاطلاع عليه بقرار من مجلس العموم البريطاني لخمسين سنة اضافية ، فان السبب لا يتعلق باي شخص عربي مطلقا بل الاسباب هي بريطانية واخرى اسباب غير عربية ،وقداطلع عليه حسبما اخبرني معالي سعيد التل وقال لي انه لا شيء مهم في هذا الملف(- الا اذا تم اخفاء بعض الوثائق الخطيرة - ) ولكن قال لي وكما ورد في مقالتي ان الاسباب تكاد تكون واحدة لاغتيال الملك عبدالله الاول وهزاع ووصفي وهي تتعلق بمشاريع الوحدة العربية من منطلق هاشمي والدعوة لاقامة الدولة الفلسطينية واعتماد برنامج لمقاومة العدو الاسرائيلي. .ولكن اطلعت على وثائق بريطانية اخرى في نفس دار الوثائق وفي المتحف الحربي البريطاني وفي كلية يانت انتوني التابعة لجامعة اكسفورد وهي تضم وثائق خطيرة وبعضها تم نشره ضمن مجلدات الموسوعة البريطانية للوثائق التي يزيد عدد مجلداتها عن 15 مجلدا.
اما عملي الذي يتيح لي الاطلاع على الوثائق فارجو الايضاح ان ما اقوم به من جهد هو شخصي فردي لغياب مؤسسية التوثيق لدينا ، واطلِّع على بعض الوثائق في الدوائر الرسمية مع الحرص على عدم تسريب او نقل او استخدام اية وثيقة باية صورة مغايرة للمصلحة الوطنية ،وانفذ خطة عمل في التوثيق واحاول جهدي الوصول الى الحقائق و اجد كل العون من القوات المسلحة الاردنية في هذا المجال خاصة في مجال توثيق اضرحة شهداء الجيش العربي الاردني في فلسطين والتي تلقى رعاية واهتمام وكل التقدير من اهل فلسطين ،ولكن الاخطاء تحدث ،وهناك مأساة في تاريخنا اننا نواجه الذاتية التي نقع فيها كثيرا ،وليس القصد مطلقا التقليل من شأن احد او توجيه اتهام كيفما اتفق ، وفي مثل حالة المرحوم الدكتور رفعت عودة فانا لم اجتهد من عندي بأي شيء ولم اتهمه ولا قصد لي في أي شيء سوى ان نعيد قراءة التاريخ وتصويبه للوصول الى الهدف الحقيقي وهو خدمة عقل الجيل الحديث ليبقى على اتصال مع وطنه واصوله في ظل الهجمة الشرسة لتغيير الفكر الى العالمية وترجيح الحداثة السلبية وتعميق الملذات والسطحية وخلق اولويات جديدة لا مكان فيها للوطن والوطنية ولا مجال لاستشعار الخطر المحدق بنا من كل صوب. ولا اعرف كيف يقول الدكتور غازي على لساني بان المرحوم رفعت عودة يريد وأد الدولة الفلسطينية ،وهو يقول ان كلامي اوحى بذلك ،وارجو ان يقف الامر عند حد الايحاء .
مع كل الشكر والتقدير للاخ احمد سلامة ( ابو رفعت) وللاخ الدكتور غازي عودة مع اعتذاري الشديد لهم عن أي سوء تفكير او ظن حسبما قد يعتقدون ،ولا اعرف لغة تجهيل الاخر واتهامه بالوهم والاختلاق والادعاء مطلقا ، بل التعامل مع المعطيات والمصادر الاولية و الاستماع الى شهود العيان الذين اعتبر كلامهم وثيقة مع توخي الامانة والدقة
وليس لدي الا كل المحبة والوفاء لتاريخ وطني الغالي ولتضحياته من اجل فلسطين والعروبة ونتوخى خدمة الشباب خاصة في محاولة لاضاءة شمعة كل يوم في هوج العواصف العاتية . ومن حقنا ان نذكر التاريخ بحقائقه المرة والحلوة بعيدا عن الانتقائية والاتهام والتجريح وللحقيقة اننا في كل يوم نفقد طرفا من تاريخنا للتقصير في خدمته وعدم كفاية الاجراءات بحقه . .