يقوم وزراء المالية عادة بعمليات هندسة حسابية تستهدف تحسين صورة الموازنة العامة. بعض هذه العمليات مقبول إذا كان يعتمد على الانتقاء ولا يغير الصورة كثيراً أو يتعلق بالشكل لا بالضمون، ولكن بعضها الآخر يقلب الصورة ويعطي نتائج معاكسة للواقع.
نقول ذلك بمناسبة الشكوى المرة من جانب المقاولين الاردنيين الذين ينفذون مشاريع الحكومة ولا يحصلون على حقوقهم المستحقة بسرعة، ويعود بعض المطالبات لعدة أشهر دون أن تدفع.
هذا التأخير المقصود في تسديد حقوق المقاولين يسيء إلى مصداقية الموازنة، ويبعدها عن تصوير الواقع، فهل يعقل أن تقتصر النفقات الرأسمالية خلال النصف الأول من هذه السنة على مبلغ 324 مليون دينار أي أقل بنسبة 16% عما تم دفعه في نفس الفترة من السنة الماضية؟.
الأهم من الهندسة الحسابية أن التأخير في صرف الاستحقاقات على مشاريع تحت التنفيذ يحرج المقاولين الذين لا يستطيعون تأجيل دفع رواتب العمال والموظفين وحقوق الموردين، وقد يتعرضون للضغط من جانب البنوك بسبب انكشاف حساباتهم وعدم دفع التزاماتهم في مواعيدها.
تأجيل دفع مبالغ مستحقة دون مبرر لا يجوز أن يقدم على أنه توفير، أو تحسن في الوضع المالي، أو تخفيض للعجز، أو تقليل للاقتراض، فكل هذه المزايا ليست واقعية وليست إنجازاً، ولا يجوز أن تستمر.
ليس صحيحأً ان التأخير في صرف استحقاقات المقاولين والموردين يعود لعدم توفر السيولة، فالواقع أن ودائع الخزينة لدى البنوك يناهز 800 مليون دينار.
التأجيل في الصرف له نتائج سلبية مفهومة لا تحتاج للتوضيح، ولكن هذا التأخير لا يحسّن الصورة المالية لأن ما يتم تأجيله من نفقات هذه السنة يقابله دفع نفقات مؤجلة من السنة الماضية.
التزام الحكومة بصرف استحقاقات المقاولين والموردين دون إبطاء واحترام العقود والاتفاقيات جزء من المناخ الجيد للاستثمار في البلد، خاصة وأن الحكومة الأردنية لاعب رئيسي في الاقتصاد الوطني، لها حقوق والتزامات مالية كبيرة يجب أن تنساب بسهولة ويسر بدون عقبات.
وزير المالية الدكتور أمية طوقـان ليس بحاجة لمن يذكره بهذه البديهيات، فلعله يأخذ القرار الصحيح ويوعز بتسديد الالتزامات المستحقة دون إبطاء لتستمر عجلة الاقتصاد الوطني في الدوران.
الرأي