هناك شجن محلّي طالما احترزت من الكتابة عنه خشية من التقويل وليس من التأويل، فنحن ننتمي الى ثقافة ملغومة ومليئة بالكمائن، لهذا غالبا ما نضيف الى الضمير الغائب عبارة «بلا قافية» وهذا بحد ذاته تعبير عن الرّيبة وبمعنى أدق ما يسمى بالانجليزية « ديرتي مايندد"!
يتلخص هذا الشجن في ثلاث نقاط هي على التوالي .. تجسيد ميداني لما سماه الراحل هشام شرابي فشل اخي نجاحي، ففي مجتمعات تتحكم بها ديناميات ومفاعيل سالبة يصبح التحاسد بديلا للتنافس لهذا فالفقير يبحث عن الأفقر كي يقنع نفسه بأنه غني، ومتوسط الذكاء يبحث عن الاحمق لعله ينال اعجابه، والمريض يزهو على الميت بدلا من ان يعالج امراضه .
ان ثنائية النجاح والفشل بالنسبة للافراد ليست سرّية، فالنجاح يتحقق بعد ما ينجزه صاحبه اولا ثم من خلال اعتراف ذوي الاختصاص، اما الفشل فهو مساحة قابلة للانحسار والتمدد، وفيه متسع للبحث عن مبررات وغالبا ما ينسب الفاشل فشله لاسباب لا تخصّه بدلا من مواجهته وتخطيه !
لقد ظهر في مجتمعنا افراد نالوا اعترافا قوميا واحيانا كونيا عن جدارة لكنهم يعاقبون على ما اقترفوا من نجاح ففي المجتمعات المتخلفة كما يقول د . مصطفى حجازي في كتابيه عن سايكولوجيا الانسان المقهور والانسان المهدور ينظر الفرد الى من يتصور انه يشبهه بازدراء لكنه ينظر الى من لا يشبهه باعجاب لمجرد انه ليس مغنية الحي التي لا تطرب كما يقال !
المقهور والمهدور معا لا يريان في الآخر الا عدوا مُحتملا بسبب فائض الرّيبة وأزمة الثقة.
والسؤال المسكوت عنه هو لماذا يتفوق افراد في مختلف المجالات على اقرانهم من اكثر البلدان تقدما اذا هاجروا ؟
استطيع ببساطة ان اقدم قائمة باسماء ممثلين واعلاميين ومثقفين اصبحوا اسماء ساطعة في سماوات اخرى غير سماء وطنهم !
الأرجح ان الديناميات السالبة هي التي تجعل من حاصل جمع الافراد صفرا، رغم انهم ارقام صعبة مُنفردين، فهل السبب هو غياب السّياق الذي يحملهم ان ان مقولة شرابي فشل اخي نجاحي القاعدة القصديرية التي تحكم علاقاتنا !
الدستور