داعش وأمريكا وإيران وتوظيف الإسلام السني ضد الإسلام الشيعي ( 3/3)
أ.د محمد الحموري
11-08-2015 02:30 AM
الجزء الثالث:
1. الرئيس أوباما يقرّع سلاطين أهل السنة وبعد التقريع يعدهم بالحماية من إيران الشيعية:
في مقابلته المطوّلة مع توماس فريدمان، كاتب العمود الأشهر في أمريكا، المنشوره في جريدة نيويورك تايمز يوم 15/7/2015، يقول الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أن إيران دولة كبيرة، وذات حضارة عظيمة، واختيارنا الطريق السلمي لإعاقة صناعتها سلاح نووي، أكثر فائدة وجدوى لأمريكا وحلفائها من استخدام السلاح ضدها أو استمرار الضغط عليها بالمقاطعة الاقتصادية. بالتأكيد لقد تضررت إيران من المقاطعة الاقتصادية، لكن أصدقاءنا في الهند وكوريا الجنوبية واليابان والصين وغيرها من الدول التي كانت تستورد البترول الإيراني، كانت خسائرهم أكبر، إذ كانوا يخسرون المليارات سنوياً وهم يستوردون بترولاً بديلاً للبترول الإيراني، أما نحن في أمريكا فلم نتضرر، لعدم حاجتنا للبترول من إيران، فإلى متى يستطيع أصدقاؤنا في تلك الدول تحمل الخسارة بالمليارات بسبب المقاطعة.
تم يتابع الرئيس أوباما، إن على أصدقائنا في إسرائيل أن يقدروا حجم تلك الخسائر، كما أن عليهم أن لا يخشوا إيران، فهم يعلموا كم قدمت أمريكا لهم، وأننا بنينا لهم القبة الحديدية لتحميهم من الصواريخ وتشعرهم بالأمان، كما يعلمون أن إدارتي قدمت لهم أكثر مما قدمته أي إدارة سبقتها.
ويضيف، أما أصدقاؤنا في دول المذهب السني، فإن شكوى بعضهم من التدخل الإيراني، لا تقوم على أساس. فالمخابرات الأمريكية لم تتوصل إلى ما يقنع بأن لدى إيران استراتيجية لسيطرة الحوثيين على صنعاء‼! وسبب شكوى هؤلاء الأصدقاء هو ضعفهم، بل إن شكواهم هي في أغلب الأحيان شكوى انتهازية‼ وتابع الرئيس الأمريكي، لقد أعلمني القادة العرب الذين قابلتهم في كامب ديفيد، في أعقاب المفاوضات التي قادت إلى اتفاق بشأن الملف النووي مع إيران، بأنهم أمة عربية لا تفرق بين سنة وشيعة في الحقوق والواجبات، لكن أوباما، الذي أعلمهم أن الربيع العربي أصبح الآن شتاء عربي، لم يسألهم، ما دمتم أمة واحدة فلماذا لا تكوّنوا دولة لأمتكم توحدكم مثل سائر أمم الأرض، وتنهوا الصراعات بينكم، وإنما أطلق عليهم دول المذهب السني عشر مرات، وحلّ هذا الإصلاح الآن مكان اصطلاحات الدول العربية، وعروبة وقومية عربية، وقال لهم، إن المشكلة تكمن في داخل دولكم، وعليكم أن لا تجعلوا من إيران سبباً لكل مشكلة تواجهونها. إن نسبة ضخمة من المشاركين في التنظيمات الجهادية السنية هم من مواطني دول الخليج. أوقفوا النظر إلى إيران بسوء نيّة، واعملوا على تقوية مجتمعاتكم وتنمية اقتصاداتكم وبناء أوطانكم، وتأكدوا أن إيران لن تهاجمكم أو تعتدي عليكم، لأنها تعلم أننا نقف معكم، وتدرك أنها إن اعتدت عليكم، فسوف نوجه لها ضربة خاطفة صاعقة تدمر جيشها وترسانة أسلحتها!!
وبالطبع، فإنه في مقابل هذه الحماية التي يطمئن بها رئيس أمريكا من كان يخاطبهم من القادة العرب، يكون عليهم الانحناء والطاعة للسيد الأمريكي حامي حماهم.
وعلى هذا، فإن مشكلة الدول العربية عند أمريكا ليست إيران، وإنما تكمن في داخل دول الإسلام السني، وعلاقة السلطة في هذه الدول بشعبها.
2. مراكز البحث والفكر في أمريكا تبرر وحشية داعش:
ومما يدعو للاستغراب حقاً، أن مراكز الأبحاث التي تعمل على توجيه صانع القرار الأمريكي، تضع تبريراً للوسائل الوحشية لتنظيم داعش، وتنصح الدولة الأمريكية باحتواء دولة داعش الإسلامية، إن صمدت على الأرض فترة أثبتت إمكانية بقاءها.
وهنا نجد أن بروفيسور ستيفن والت Stephen M. Walt)) أستاذ الشؤون الدولية في جامعة هارفارد، وأحد المؤلفيْن لكتاب"أثر اللوبي الإسرائيلي على السياسة الخارجية الأمريكية"، قد نشر مقالة في مجلة السياسة الخارجية (Foreign Policy Magazine) عدد 10/6/2015 بعنوان "ماذا على أمريكا أن تفعل إذا فازت الدولة الإسلامية" يقول فيه، أن الدولة الإسلامية تحتل الآن مناطق شاسعة غرب العراق وشرق سوريا، وتمارس عليها سلطات الدولة. وقد تنجح هذه الدولة وتستمر، وقد تزول، ولكن علينا أن نضع الآن استراتيجية لكيفية التعامل معها في حال استمرارها. أما بالنسبة للتصرفات الوحشية التي تقوم بها الدولة الإسلامية (داعش)، فهي ليست غريبة على تاريخ العالم الغربي. فالأجداد أقاموا المملكة البريطانية المتحدة عن طريق العنف والوحشية والقهر والفتح، وأبناء ويلز واسكتلندا يعرفون ذلك. ومن نعتبرهم أبطال الحرية في أمريكا، ذبحوا واغتصبوا أبناء أمريكا الأصليين ونشروا المجاعات بينهم، وكان جمعهم لفروات رؤوس أعدائهم رمزاً لشجاعتهم، وإقامة البلشفيك لدولة الاتحاد السوفييتي وإقامة الجمهورية الشعبية الصينية، تم فرضه بالقوة والعنف، والأساليب البشعة، وليس عن طريق الحوار الهادئ والإقناع.
ويتابع بروفيسور والت بالقول، ثم أن أهل السنة الوهابيين بقيادة ابن سعود، لم يسلكوا طريق الحوار والاقناع الهادئ في إقامة الدولة السعودية، كما هو سائد في الوقت الحاضر، كما أن أساليب القتل والذبح هي التي انتهجها الصهاينة في إنشاء دولة إسرائيل على أرض الفلسطينيين.
ويضيف بروفيسور والت، يبدو أن الأجيال الحاضرة نسيت تاريخ الثورات التي تنشئ دولاً، وما يجري فيها من تصرفات وحشية لا إنسانية. لكن هذه الدول عندما تنشأ وتصمد على الأرض تفرض وجودها، ثم تعترف بها الدول الأخرى. فالاتحاد السوفييتي الذي أنشأته الثورة البلشفية اللينينية عام 1917، اضطرت أمريكا للاعتراف بدولته عام 1933، وجمهورية الصين الشعبية، اضطرت أمريكا للاعتراف بها بعد قيامها بــ (30) سنة. وهذا الحال سوف ينطبق على الدولة الإسلامية ان صمدت، وأهل السنة الآن الذين ليس لهم أي بديل آخر، يشعرون بأمان من الشيعة ونظام الأسد في الدولة الإسلامية (داعش)، كما أن لديهم الإحساس بالعدل وعدم وجود فساد، ولا أظن أن أحداً يمكن أن يؤكد أن هذه الدولة الإسلامية لن تكون يوماً عضواً شرعياً في الأمم المتحدة. ولذلك، فإن بروفيسور والت يقترح وضع استراتيجية أمريكية منذ الآن لاحتواء هذه الدولة السنية الجديدة، تحوطاً لإمكانية بقائها واستمرارها‼
وما ذهب إليه بروفيسور والت، هو ما يراه وليام ماكيينتز (William McCants) مدير مشروع العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي، في معهد بروكينز في واشنطن، حيث قال لقد نسينا أن الكثير من الدول نشأت من خلال الرعب، والقياس على ما جرى في التاريخ أمر صحيح، وأضاف في حديثه لجريدة نيويورك تايمز عدد 21/7/2015، إن توجهه هذا، هو موضوع كتابه بعنوان "الدولة الإسلامية المرعبة (The ISIS Apocalypse) الذي سوف يظهر في شهر أيلول/سبتمبر عام 2015.
وأما نائب مدير المخابرات الأمريكية (CIA) – (McClaughlin) الذي ملأت تصريحاته الآفاق، حول اختفاء دولة العراق ودولة سوريا، فيقول، إن ملوك بريطانيا في القرنين (14 – 15) مارسوا وحشية أكثر من داعش، لإقامة مملكتهم التي نراها الآن. فلم يكونوا يكتفون بقطع الرقاب، وإنما كانت عندهم وسيلة أخرى لا مثيل لوحشيتها، إذ كانوا يبقرون بطون الأحياء من خصومهم، ويستلّون أمعاءهم وأكبادهم وأحشاءهم، وفي التاريخ نماذج كثيرة من دول قامت على العنف الوحشي، وعلينا أن نتوقع القتل والتعذيب والوحشية في الثورات التي تبني دولاً (نيويورك تايمز عدد 21/7/2015).
ومما يلفت الانتباه في حديث الرئيس أوباما ومراكز الفكر والبحث، هذه النغمة الجديدة في استخدام الإسلام السني مقابل الإسلام الشيعي، واختفاء كلمات عرب وعروبة وقومية عربية من القاموس الأمريكي المستجد، ومن ثم إلباس المفاهيم المذهبية أثواباً سياسية، وفوق هذا، فإن كتابات أهل الفكر في أمريكا، توحي بالتبرير لسلوكيات تنظيم داعش الوحشية ضد من ينكرون عليه إقامة دولته الإسلامية، باعتبار أن الوسائل الوحشية عندهم مقبولة في مراحل إنشاء الدول.
3. هل سيكون القادم أعظم:
وفي هذا المجال، فإني أكتفي بذكر أمرين لكل منهما دلالته وأثره:
الأمر الأول: وفقاً لما نشرته جريدة التلغراف الانجليزية في عددها يوم 2/7/2015، فقد رفضت أمريكا تزويد أكراد العراق بأسلحة ثقيلة ضد دولة داعش. وفي ظني أن هذا الخبر الذي ضخمته الآلة الإعلامية الأمريكية، لا يتفق مع ما حدث بعد ثلاثة أسابيع فقط، عندما أعلن الأكراد الذين يشكلون 20% من سكان تركيا، إنهاء الهدنة معها لينفتح باب الصراع بين القوتين الكردية والتركية، ومن ناحية أخرى نجد أن قيام تنظيم داعش بتفجير المركز الثقافي في مدينة سوريتش داخل تركيا وقتل 32 شخصاً، دفع السلطان أردوغان لإعلان الحرب على التنظيم ودولته الإسلامية، بعد أن كانوا حلفاء وشركا بمعرفة أمريكا، في قتل أبناء سوريا. وهذا أمر يشي بإدخال الفوضى الأمريكية الخلاقة إلى تركيا، ويجعل ما نشرته التلغراف وغيرها وسيلة لتغطية المستور الأمريكي.
الأمر الثاني: أنه وفقا للخرائط المنشورة في الصحف والمجلات الأمريكية للأراضي التي تسيطر عليها دولة داعش في مناطق غرب العراق وشرق سوريا، وتسمى مناطق السنة، فلم يعد هناك أي منفذ بري يربط العراق الشيعي الذي يُحكم من بغداد، وسوريا التي يحكمها النظام السوري من دمشق، ونتساءل هنا، إذا استقرت دولة داعش على هذه الأراضي لعشرة أو عشرين عاماً، كما تتوقع أمريكا، ألا يعني هذا قطع الشرايين الأرضية التي يعبر منها تسليح إيران لدمشق ومن ثم حزب الله؟ وبالتبعية بعد ذلك قطع الشرايين الجوية التي يمكن أن تعبر منها الطائرات، فيتحقق المطلوب الأمريكي والاسرائيلي كخطوة أولى من إعادة رسم مخلفات سايكس بيكو؟
لم يكن بمقدور الرئيس الأمريكي في مقابلته مع توماس فريدمان أن يتحدث عن أي خطط أو استراتيجيات مثل أهل الفكر لمواجهة تنظيم داعش عند استقراره في دولته الإسلامية، لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى كشف مستور الرئيس وهو ينفذ الفوضى الخلاقة.
فلتهنأ أمريكا وإسرائيل بنتائج التفتيت وبتنظيم داعش، ولتسعد بطاعة سلاطين أهل السنة، ولتفرح شركات انتاج السلاح والطيران الحربي في العالم الغربي بمليارات البترول وما تنتجه الأرض والسواعد العربية، التي أصبحت تتدفق على تلك الشركات للشراء على حساب جوع المواطن العربي ومعاناته.
4. هذا الصراع لا شأن له بدين المسلمين:
وفي المحصلة أقول، لقد هان الإسلام على من اعتلوا كراسي أولي أمر المسلمين، ممن تاجروا به، واستثمروه لبقاء سلطانهم واستمراره، لا يهمهم في ذلك أن تصبح أمريكا وصية عليه، تُحرك أتباعه كما تريد، وتُدخل إلى عقيدتهم ما تريد. وما نراه من صراع في هذه المرحلة، يدخل في باب استثمار الدين، كما تم استثماره في مرحلة الجهاد في أفغانستان عندما خلقت أمريكا القاعدة وطالبان. إنه صراع لا شأن له بالاسلام ولا دين المسلمين، ولكن تم إلباس هذا الصراع ثوباً إسلامياً من صناعة أمريكا، فلعل الفوضى التي نادت بها، تخلق دولاً وكيانات على المقاس الذي تريد، ما دامت أولوية سلاطين أهل السنة هي كراسي الحكم، وبعد ذلك ليذهب من يشغل باله حال الأمة إلى الجحيم!!