لقد طفا على سطح الاختلاف الدائر داخل الحركة الإسلامية معركة المقرات والممتلكات والواجهات، وهي مسألة لا تعبر عن حقيقة ما يجري ولا تمس جوهر الاختلاف الحقيقي، وأعتقد أن هذا الموضوع يسيء إلى الطرفين، ويشوّه الحقيقة، ويفرغ المسألة من مضمونها الجوهري، ومن أشد الأمور غرابة أن يستجيب لهذا اللون من الصراع عناصر من الطرفين، وبعض الجهات الإعلامية التي تبحث عن الإثارة، إذ إنها لا تدرك الأبعاد الحقيقية لجوهر الاختلاف، أو أنها تدير المسألة بطريقة تخلو من البراءة.
موضوع المقرات والممتلكات ليس بذي أهمية ولا يشكل أي قيمة ذات بال، سواء على الصعيد الماديّ أو المعنوي، لأن كثيراً من المؤسسات الكبيرة الظاهرة المعروفة هي ملك «لجمعية المركز الإسلامي الخيرية» وليست ملكاً للجماعة كما يتوهم كثير من الناس على الصعيد الرسمي والشعبي، فضلاً عن أن القيمة المعنوية لها أدنى من أن تشكل محطة من محطات الخلاف التي تستحق الذكر، ولا تهم المجتمع الأردني من قريب أو بعيد.
خطوة التصويب القانوني لوضع الجماعة هي محطة ضرورية تأتي في سياق حماية الجماعة، وحفظ إنجازاتها، حيث أنها قامت على إعادة تسجيل الجماعة وحفظ سجلها التاريخي، و إعادة تسجيل الجماعة برقم وطني وحصولها على مركز قانوني معتبر لا غبار عليه، مع الاحتفاظ باسمها ونظامها الأساسي وأهدافها وغاياتها الموضوعية منذ لحظة تأسيسها دون تغيير يذكر، باستثناء بعض التعديلات الضرورية التي تجعلها هيئة وطنية خالصة، لا تتبع أي جهة خارجية.
هذا التصويب هو لكل أعضاء الجماعة وكوادرها التنظيمية إلّا من أبى، ولذلك هي ليست جسماً جديداً، ولا جماعة جديدة تريد أن تحل محل القديمة، وما يجري بهذا الخصوص من حديث، هو عبارة من تضليل وتشويه للحقيقة المجردة، بغض النظر عن الأشخاص القائمين على هذا الموضوع؛ الذين سيغادرون مواقعهم القيادية بعد أشهر قليلة معدودة على إثر إجراء انتخابات عامة من الهيئة العامة المسجلة وفق مقتضيات التصويب.
خطوة التصويب القانوني نتيجة لتطورات المشهد المحلي والعربي بعد عاصفة الربيع العربي ومآلاتها، إذ إن الظروف تقتضي إجراء مراجعة شاملة، ومحاسبة عميقة لمجمل السياسات والرؤى السابقة وإعادة النظر بكل الحسابات التي كانت تخلو من الدقة والنظرة الحصيفة التي وقع فيها المتنفذون في الجماعة.
يجب أن تشرع الجماعة بإعادة تموضعها وفقاً لمقتضيات العلنية والشفافية والعمل المكشوف المحمي بالقانون، والخطاب المعلن الذي يخلو من الازدواجية، والتذاكي، ويضع الحقائق على الطاولة بكل جرأة ووضوح، أمام كوادر الجماعة وجمهورها ومؤيديها وأمام الشعب الأردني كلّه بلا خوف أو وجل.
من المؤمل أن تشرع الجماعة ببناء مشروعها الوطني، على قاعدة التوافق والشراكة مع كل مكونات المجتمع الأردني الفاعلة، وأن تعلن عن استراتيجيتها القائمة على أنها جزء من الدولة الأردنية، وخاضعة لمنظومتها التشريعية، وتعمل وفق نظرية الإصلاح التربوي والفكري والثقافي والسياسي والاقتصادي في كل مرافق الدولة ومؤسساتها الدستورية.
مشروع التصويب القانوني للجماعة يؤسس لمرحلة جديدة تقوم على الاستفادة من كل الدروس والعبر التي أثمرها الحراك الشعبي على قاعدة الفصل بين المسار الدعوي والفكري، وبين المسار السياسي، بحيث تبقى الجماعة مظلة فكرية دعوية، وأفرادها الذين يحملون منهجها وفكرها منخرطون في المجتمع، وفي كل مسارات العمل العام والخاص، وفي الأحزاب السياسية المستقلة التي تمارس العمل السياسي بطريقة برامجية بعيداً عن وصاية الجماعة وهيمنتها.
انخراط الجماعة في المشروع الوطني العام، يجب أن يكون بعيداً عن كل درجات التبعية والاختراق لأي مشروع آخر عابر للحدود، مهما كانت درجة قربه من الصواب وسمو الشعار، كما أنه يجب التأكيد أن المشروع الوطني الأردني داعم ومساند لمشروع التحرير الفلسطيني، ولكل القضايا العربية والإسلامية العادلة بلا أدنى تردد، حيث يجب إزالة التناقض بين الوطنية والإسلام، وبين الوطنية والعروبة، ومع كل المشاريع العروبية والإسلامية.
الدستور