ما صدر حتى الان من تصريحات امريكية من مختلف المستويات حول الحرب على العراق هو اعتراف بما يتجاوز الخطأ الى الخطيئة، الجنرال المخدوع قال ذلك واستقال، والصحافة التي اعلنت الطوارىء عشية الاحتلال عادت لتعترف بالخديعة ايضا، واخيرا الرئيس ذاته، لكن هذه الاعترافات سواء كانت صريحة ومباشرة او بالايحاء لم تقترن بأي اعتذار، ربما لأن الثقافة الامبراطورية لا تسمح بذلك او لأن مثل هذا الاعتذار سيكون باهظ التكلفة، ويتطلب تعويضات معنوية ومادية تنوء بها واشنطن.
لقد اطلق على تلك الحرب العديد من الاسماء، فهي استباقية، او ذات شرعية بأثر رجعي، وهذه الصفات تليق بحروب ما بعد الحداثة التي دشنت بها الولايات المتحدة الالفية الثالثة باحتلال افغانستان!
لقد بات مؤكدا ان الحرب على العراق كانت حصيلة لعدة مصالح سواء تعلقت بشركات او بافراد شغلوا مناصب في الادارة والمخابرات والبنتاغون اضافة الى العامل الايديولوجي الذي عبّر عنه اليمين المتطرف يوم ادعى الرئيس بوش الابن انه يستلهم قراراته في الحرب والسلام من السماء وفي لحظة محددة في الفجر!
ولا أظن ان هناك في امريكا مثل مرادف للمثل العربي القائل: سبق السيف العَذَل، وان كان المثل الانجلوساكسوني الذي ورثته امريكا عن البكاء على الحليب المسكوب يفي بالمناسبة !
ان اعتراف الولايات المتحدة بأن الحرب على العراق خطأ له توابع وتداعيات لا تتوقف عند التكلفة المادية للحرب وهي باهظة بالتأكيد ولا تتوقف ايضا عند عدد التوابيت العائدة من العراق وهي بالالاف، وعبّر عن هؤلاء أب ثاكل قاد مظاهرة في نيويورك وهو يهتف بأنه فقد ابنه الوحيد لاسباب لا تعنيه ولا تعني وطنه بقدر ما تعني رامسفيلد وشوارتسكوف وسائر العائلة البيضاء.
وكل يوم يمضي منذ احد عشر عاما يعزز القناعة في العالم بأسره بأن احتلال العراق كان بيت الداء، وهو بمثابة فتح كيس الثعابين او صندوق باندورا المليء بالشرور كما تقول اسطورة اغريقية!
ان كل اعتراف يتطلب على الفور اعتذارا فلا قيمة للكلام اذا كان مجرد فقاعات في الهواء.
والاعتذار المطلوب للعراق يشمل اطرافا عديدة غير امريكا وهو اخلاقي وسياسي بقدر ما هو ماديّ!
الدستور