رؤيتنا في مؤتمر إنقاذ التعليم
فيصل تايه
10-08-2015 12:40 AM
ان التعليم هو الوعاء الحقيقي للامم المتحضرة ومصبّ الرقي وطريق المستقبل ، وهو الرهان الحقيقي لمواكبة العصر الحديث والخروج مما وصلنا اليه من تراجع ليلتفت الجميع لتحقيق أوليّات واجندات وطنية هامة وطيّ صفحة جديدة وانهاء كلّ فترةٍ زمنيّة أضعناها في تكهنات ارتجالية وقرارات تنبؤية عقيمة .
وبانتهاء اعمال مؤتمر تطوير واصلاح التعليم ومع حديث نائب رئيس الوزراء وزير التربية والتعليم الدكتور محمد الذنيبات وتأكيده ضرورة الابتعاد عن ثقافة الوصاية ليكون الأردن نموذجا في التعليم كما هو في الحريات وان ترسيخ القانون يتطلب تقييم الفعل والسلوك لمدى الانسجام معه ليكون الالتزام به ثقافة تشاركية ، وان لا قيمة لاي جهد يبذل في التطور التعليمي والتربوي في ضل غياب سيادة القانون مع ضرورة والابتعاد عما عانينا منه لسنوات طوال من الاجتهادات الفردية ومن سيادة التجربة والخطأ ومن حالة التردي وغياب المسائلة لفترة زمنية طويلة وغابت ثقافة العمل والاخلاص فيه .
كم كنا بحاجة الى طوق الخلاص من نكبة ذلك الخطر الماحق والانهيار السافق ، وهو الفرصة المُثلى لتنقية منظومتنا وتأهيلها لتصبح زاخرة بحلولٍ عمليّة تسهم في النهضة بدلاً من هدم ما تبقّى من أطلالها كي نتسفيد من هذا في حاضر الاجيال المرجو ومستقبلهم المأمول ، ولهذا اعلنا دولة رئيس الوزراء الدكتورعبد الله النسور على الملأ حين قال : اننا لسنا بحاجة الى اصلاح بل الا انقاذ العلم والتعليم ..
اننا بالفعل بحاجة ضرورية لاعداد رؤية شمولية عميقة تسهم في تطوير عملية التربية والتعليم وتدفعها الى رؤى وآفاق جديدة وبما يضمن مستقبلا افضل لأجيالنا القادمة ، ذلك ما جاء على لسان دولة رئيس الوزراء في افتتاح اعمال مؤتمر التطوير التربوي الذي أكد أيضا على ان مسيرة التربية والتعليم في المملكة كانت محل فخر واعتزاز حققت خلالها ميزات وانجازات كبيرة وتاريخية على مستوى العالم ، الا اننا سهونا طيلة عقود عن النوع في التعليم وانصرفنا الى الكم بعد ان مررنا باجتهادات وتجارب افرزت منجزات ملحوظة في التربية والتعليم وكشفت عن مشكلات وعقبات لا بد لنا من التصدي لها خاصة واننا ندخل اليوم مرحلة جديدة نقف فيها على مفترق طرق تستدعي منا جميعا العمل على انقاذ الاجيال القادمة وصياغة مستقبلها ، وان تستفيد من مفهوم المصير الانساني المشترك الذي تنادي به منظمات الامم المتحدة في سعيها لإرساء قواعد التفاعل بين الثقافات العالمية ، لتلعب المؤسسة التربوية الدور الأساس في المجتمع بشكل يمكنها من الاستفادة من هذا التفاعل بأسلوب علمي قادر على الانفتاح .
ان تأكيدات دوله رئيس الوزراء على عدم الخروج من المؤتمر بحلول سطحية فارغة لها دلالات كبيرة واهتمامات عميقة لتشديده على ضرورة ايجاد رؤية عميقة تؤرخ للتربية والتعليم لان ذلك هو خيار امة وليس خيار مؤتمر ، مشددا على ان جلالة الملك عبدالله الثاني تواق للإصلاح في كل ميدان ، مؤكدا اهمية استثمار هذه الفرصة التاريخية لإحداث الاصلاح المنشود المنبثق من انفسنا وضمائرنا وفكرنا وعقيدتنا، وليس الاصلاح الذي يفرض علينا.
والمتتبع ايضاً لما طرحه نائب رئيس الوزراء وزير التربية والتعليم الدكتور محمد الذنيبات ، من خلال كلمته في الافتتاح والتي كانت مرجع رسمي لحوارات المؤتمرين ووثيقة هامة من وثائق المؤتمر يعتد عليها الكثير لانها خلصت الى تحليل عام وشامل لما عانيناه طوال سنوات بل انا اعتبر انا كلمة الذنيبات هي بمثابة خريطة طريق تضع الامور في نصابها وتشخص مُفصل للحالة التي يمر بها نظامنا التعليمي وتضع الحلول العلمية والمنطقية التي تؤسس للعمل الجاد الذي ينقذ ويصلح ، لان بناء اجيال المستقبل يجب ان لا يترك للاجتهاد بل لا بد ان يخضع لمعايير وطنية تكون موضع البحث والنقاش وصولا الى اتفاق وطني تحكمه فلسفة واحدة تسير وفق وحدة التوجه والتوجيه بعيدا عن منطق النزاع والتباين في النظرة الى المصلحة الوطنية، شريطة ان يقترن ذلك بالمأسسة والحد من السلطة التقديرية والمتابعة والمساءلة لكل فرد في موقعه ووفق مظلة القانون.
لقد كانت اشارات الذنيبات واضحة وقوية ومطمئنة والمتعلقة بنهج العمل والاصلاح الذي يجب أن يقوم على فلسفة تربوية عميقة وتقليص المسافات بين الناس ورعايتها كأساس للصلاح والإصلاح من خلال احترام الناس والتباين بين الافراد في الرأي والعقيدة ، معتبرا ان الابتعاد عن الاحادية والتفرد في الرأي هو اساس لكل من يتصدى لعملية الاصلاح ويخاصم المنهج العلمي التراكمي في الاصلاح. نجد ان الرجل يحمل افكارا عميقة تخاطب من خلالها العقول الكبيرة الجاهدة بالعمل .
لقد بيّن الوزير ان سبب معاناة مؤسسات التعليم لسنوات طويلة هي الاجتهادات الفردية الناتجة عن السلطة التقديرية الواسعة وسيادة التجربة والخطأ مثلما عانت حالة من التردد والتراخي وعدم الحسم وغياب المساءلة في هذا القطاع، وبشكل يتنافى مع مبدأ امانة الوظيفة العامة وغياب ثقافة العمل والإحساس بالمسؤولية وغياب مفهوم التعليم بالقدوة مع التاكيد على ضرورة اعادة الثقة الى قطاع التعليم الذي يحظى بالاهتمام الاول والدعم المتواصل من جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبد الله ، ذلك ما بدى واضحا من خلال لقاء جلالتيهما بالوزير عقب انتهاء اعمال المؤتمر وتاكيد ثقتهما المطلقة بما يحمل الرجل من افكار تربوية رائدة وما طرحه امام جلالتيهما من رؤيا شاملة تنقذ قطاع التعليم وتأتي ملامسة للواقع الذي نعيش من خلال تشخيص ومعرفة التحديات والمشاكل وتحديد الامكانات المتوفرة والوقت المسموح به لإنجاز الاهداف التي نسعى جميعاً الى رسم خططها ومتابعة تنفيذها.
لقد جاءت دعوات الوزير الذنيبات الى اهمية استثمار الحدث التربوي والوطني من اجل البناء والعطاء والتواصل الهادف للوصول الى نظام تربوي افضل يقوم على اسس علمية واخلاقية عمادها الانفتاح العقلي والتفكير التحليلي والاستفادة من تراث الحضارة الانسانية في ظل دولة القانون والمؤسسات التي تكفل العدالة والمساواة والتعددية والتسامح والعيش المشترك وصون حرية العقيدة واحترام الاخر، وبناء الاجيال القادرة على حمل مثل هذه القيم بعيدا عن التخويف او التخوين او الترهيب او التحريض وثقافة الوصاية والاحادية، وبما يجعل الاردن نموذجا في التعليم كما هو في الديمقراطية وحرية الرأي والاعتدال .
وبالفعل فان تطوير التعليم عملية مجتمعية لا بد من ان تتكاتف فيها كافة الجهود وتتكامل فيها الادوار بين المدرسة وبيئتها ومعلميها ومناهجها، والاسرة بمتابعتها لأبنائها والدولة بتوجهاتها ورعايتها وفق رؤية واضحة تحدد فيها الاهداف والادوار بحيادية بعيدا عن الرغبات والاهواء، وتعطي الوقت اللازم لإنجازها دون تباطؤ يقتل الفكرة او يضيع الفرصة، ودون استعجال يربك المسيرة ويضيع الهدف.
ان مؤتمر التطوير التربوي خطوة جيدة وبداية موفقة لمشوار عمل جديد لتدشين أولويات نأمل أن يكتب له النجاح, ولو في حدها الأدنى , لان كل ما جاء في اجندته ضرورة وطنية ومطلب شعبي ملح, الأمر الذي يفرض حشد كل الجهود الرسمية والمجتمعية, وتوجيه كل الطاقات المتاحة لتحقيق الأهداف المرجوة .
إن نجاح مؤتمر التطوير التربوي مؤشر الى اننا بحاجة إلى خلق كل الظروف المواتية والضرورية التي تؤدي الى إحداث نقله حقيقية شاملة لتصحيح المسار, وتوفر الإرادة الحاسمة والإمكانات الضرورية واللازمة للارتقاء بمؤسسة التربية والتعليم باعتبار قضاياها قضايا وطنية استراتيجية ذات أولوية قصوى في خطط التنمية الشاملة ، مما يستلزم حشد كل الموارد الكافية لتمويل التعليم وتنمية الموارد البشرية، واستنهاض كل الطاقات الفاعلة المستنده في مجملها على مبدأ تكافؤ الفرص والعمل على انقاذنا من براثن الانحدار.
لقد كان شكل المؤتمر واسلوبه وآلياته المهنية التخصّصيّةً نهجا راقيا لكل المشاركين وهو ثَمْرَةُ إرادةِ التّغييرِ. التي ركزت على بناء القدرةِ على التّغيير، ومتابعة التّنفيذِ الفعليِّ للقرارات . ما احتاج إلى استراتيجيّةٍ علميّةٍ متكاملةٍ تَتَضمّن التّمكينِ في إطارٍ من المسؤوليّةِ والمحاسبةِ .
وأخيرا أقول وكما جاء على لسان الوزير : ان لا قيمة تذكر لأي جهد يبذل للتطوير والتحديث في ظل غياب سيادة القانون الذي ينظم العملية التربوية في ظل انتشار ظاهرتي الغش والمتاجرة في التعليم التي ادت الى غياب الثقة في قطاع التعليم، مبينا ان الوزارة ادركت ضرورة القضاء على هذه الظواهر التي عبثت بمستقبل ابنائنا لسنوات طويلة واحدثت حالة من التراجع في قيمة العلم والتعليم ومخرجاته .
اعذروني وان اطلت .. الله ولي التوفيق
مع تحياتي