إنه الصراع العربي الإسرائيلي لا الحروب الصغيرة
ياسر ابوهلاله
15-05-2008 03:00 AM
في خضم حرب تموز كان صديقي الشيعي العلماني وابن الجنوب يقول لا " هذه القرى التي تحتضن حزب الله اليوم هي ذاتها التي استقبلت الجيش الإسرائيلي عام 82برشات الرز ترحيبا " .بدا محبطا مما اعتبره مكابرة وادعاءات في تفاني الناس دفاعا عن المقاومة ، ولم يكن يصدق – من زاوية إنسانية – مقولة من فقد أسرته " فدى السيد !" كنت وأنا القادم من بعيد أصدق تلك العبارات العفوية التي يقولها الصغير والكبير والدماء لا تزال ساخنة والدخان متصاعدا .
ليس سرا أن تلك القرى رحبت بالإسرائيليين ، وليس سرا أن جيش العميل لحد اعتمد على الشيعة والموارنة بشكل أساسي . لكن ما فعله حزب الله أنه نقل الشيعي من المعركة الصغيرة ضد الماروني أو الفلسطيني أو السني إلى المعركة الكبري ضد إسرائيل . وفي المعركة الكبرى ضد العدو الخارجي التي قدم فيها الأعز والأغلى من خيرة الرجال حصل المكاسب السياسية والاقتصادية من " أعدائه " الدخليين . وبذلك شعر الشيعي أنه كسب مرتين ، شرف مقاومة العدو الأول لأمة العرب والإسلام ، ورفع المستوى المعيشي والسياسي مقابل الطوائف الأخرى . التي ظل تاريخيا مهمشا أمامها .
بصراحة لا تقل عن صراحة العلماني قال لي أحد قيادات حزب الله " قبل حزب الله كان ماسحو الأحذية في بيروت حصرا من الطائفة الشيعية " ! أعطى الحزب لأبناء طائفته ما يبحث عنه كل إنسان عربي ؛ الكرامة والمصالح المعيشية . فلم يكن الشيعة يفخرون بأنهم هزموا إسرائيل فقط ، وإنما مكنهم حزب الله من الحصول على مستوى خدمات تعليمية وصحية وتنموية عجزت عنها الدولة اللبنانية منذ الاستقلال . ولم يكن يعيب هذا النجاح الذي عجزت عنه الدول العربية إلا أنه ظل محصورا بالطائفة . ومع أن حزب الله كسب قلوب العرب والمسلمين وأكثريتهم الساحقة من السنة في صراعه مع إسرائيل إلا أنه لم يستطع أن يكسب قلوب السنة في بيروت . ناهيك عن المسيحيين .
يحسن بالذين ينكرون وجود "الصراع العربي الإسرائيلي " في الأردن أن يقرؤوا تجربة حزب الله . فاللبنانيين الذين ذاقوا المرار من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية واستقبلوا الجيس الإسرائيلي برشات الأرز هم أنفسهم من جرعوا الإسرائيلي المرار وأذلوه وأجبروه على الانسحاب في عامي 2000 و2007وشعارهم ليس " شبعا " بل " يا قدس إنا عائدون ". بكامل قواهم العقلية اقتنعوا أنهم جزء من الصراع العربي الإسرائيلي بوصفهم عرباو مسلمين وجنبوبيين وشيعة . وكان الأسهل عليهم أن ينكصوا إلى غرائزهم : نحن طائفة مظلومة من العرب والمسلمين تاريخيا ولا حل لنا إلا بالتحالف مع عدوهم ، وهو المتفوق جيشا واقتصادا ودولة ونظاما ..
لم ينته الصراع العربي الإسرائيلي بمعاهدة وادي عربة . والأردن فوق أنه " جزء من الأمة العربية " كما ينص دستوره لا يزال اللاجئون والنازحون يشكلون –بعد فك الارتباط- زهاء نصف سكانه . ولم يكتف العدو بحرمانهم من حقهم في العودة إلى وطنهم المحتل بل بوقاحة يشاركهم فيها بعض حلفائهم الأميركيين وعملائهم المحليين يريد تحويلهم إلى " لغم ديموغرافي " . وبدلا من الارتجاف أمام هذه الوقاحة وإطلاق العنان للغرائز العنصرية التي تخوف من " الخطر الفلسطيني الساعي إلى الخيار الأردني " يفضل التماسك ورمي القنبلة إلى حضن الخصم . فالديموغرافيا الفلسطينية هي تهديد لدولة الاحتلال التي اغتصبت الأرض لا لدولة الضيافة التي منحت الأرض للمشردين . وبمواجهة " الخيار الأردني " يرفع شعار " يا قدس إنا عائدون " .
يتوحد الناس في المعارك الكبرى ، خير من أن يتحاربوا طائفيا وإثنيا في حروب صغيرة تهلك الحرث والنسل . وهذه المعارك ليست ترفا وهروبا من الواقع بل هي مفروضة لأن العدو لم يتنازل سلما . وكما أن من الشائع القول :ما لنا وللصراع العربي الإسرائيلي – حتى في داخل فلسطين وعلى لسان قادة السلطة –فمن المشروع القول : لنا في الصراع العربي الإسرائيلي . وكما يأتي الأثيوبي والروسي والأميركي.. مقاتلا في معارك إسرائيل لأنه يهودي سيأتي يوم يأتي فيه المغربي والإيراني والتركي و.. للقتال دفاعا عن إخوة الدم والدين الذين يسامون سوء العذاب .
أنه الصراع العربي الإسرائيلي الذي يشرف كل من يخوضه . ليس توسعا ولا عدوانا . فالجوعى والجرحى في غزة والضفة هم إخوة لهم حق النصرة . وما يخزي ولا يشرف هو الارتجاف أمام المعتدين وإنكار الصراع معهم . حتى من يريد أن يسالم ويعقد صفقة ، حتى لو صفقة تجارية ، عليه أن يتحلى بالحد الأدنى من الشجاعة . وإلا حصل على أبخس الصفقات وفرط بأغلى الحقوق .
وليست المشكلة في من يخوضون الصراع ، فلم يصدر عنهم مطالب بوقف التفاوض لمن يريد أن يتفاوض ، بل في من يخوضون المفاوضات وينكرون حق المقاومة . فاوض الأردن ووقع معاهدة السلام والمكتب السياسي لحماس مقيم في عمان ، وسوريا كادت توقع ومن على أرضها يمر سلاح حزب الله . وفي فلسطين ظل عباس يفاوض في ظل حكومة حماس والوحدة الوطنية من بعد .
فشل مشروعا المقاومة في لبنان وفلسطين وتحولا إلى حروب أهلية؟ ، ليس بعد . فالمقاومة لم تحول سلاحها للداخل علوا وفسادا في الأرض بل على العكس نصبت لها فخاخ وتحرش بها لحرف اتجاه بنادقها . لكنها ماضية في مشروعها المقاوم ، وما حصل من صراع داخلي صغير كان اضطرارا لا خيارا .
فشل مشروع التسوية ؟ بات مرجحا حتى في نظر عرَابيه . والثابت الوحيد هو " عملية " التسوية التي لا تصم ماكنتها الآذان على مدار الساعة دون أن يرى لها إنتاج . ولم يعد يخفي قادة الاعتدال شعورهم بالإحباط والخذلان . وهم مع ذلك مصرون على المضي في التفاوض لأجل التفاوض حفاظا على أرزاق العاملين في مصنع التسوية .
سيدفع الإسرائيليون ومن حالفهم من أميركيين وأوروبيين باتجاه تسعير الصراع بين الفاشلين مقاومة ومسالمة وصولا إلى حروب أهلية كما حدث في غزة وبيروت . ولا يرد على هذه المخططات بالانسياق فيها ، وإنما بتوحد الفاشلين تحت عنوان جامع : الصراع العربي الإسرائيلي . والتلاقي على عنوان كهذا لا يعطل مسار الإصلاح السياسي وبناء الدولة الحديثة . فأكثر ما أساء للصراع استخدامه للاستئثار بالسلطة والثروة ومنع الناس من ممارسة حياتهم الطبيعية . لقد أجرى الفلسطينيون واللبنانيون أكثر الانتخابات العربية نزاهة ولديهم أعلى سقف تعبير في العالم العربي وهم الأكثر انخراطا في الصراع . ولم تعطل الدساتير وتعلن الطوارئ في المقابل لا يزال الدستور معطلا في سورية ومصر مع أنهما لم تطلقا رصاصة منذ حرب تشرين .
إنه الصراع العربي الإسرائيلي رآه بوش وهو يحتفل بالمعتدين في ذكرى نكبتنا أم تعامى عنه . لا حل للصراع إلا بالاعتراف بوجوده أما أنكاره فسيفاقمه وينقله بعيدا . وما أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلا بعض نتائج الإنكار والتعامي . قد يصدق أن بوش مضلل ولا يدري ولكن كيف يفسر إقدام الرئيس حسني مبارك على تهنئة بيرز في ذكرى النكبة وهو من شارك في حرب تشرين ؟ هل هو- في عيد الميلاد الثمانين - انجرار للحروب الصغيرة في مواجهة حماس خارجا والإخوان داخلا؟
أن بعض القرى التي نثرت الأرز على رؤوس الجيش الإسرائيلي فرحا بمعارك صغيرة أمطرت الإسرائيلين بزخات الصواريخ في حرب تموز ، وقدمت عزيز النفوس في الصراع الكبير . وليس مستبعدا أن تكون تهنئة بيريز من باب نثر الأرز.
abuhilala@yahoo.com