شكّل جزءاً هاماً في حياتي منذ عرفته، فعلى مدى أكثر من خمسة عشر عاماً كان أخي الذي فارقني بالأمس - الزميل نايف المعاني - يطل عليّ في كل صباح، وفي معظم المساءات، على امتداد السنوات الماضية، دون انقطاع يذكر.
عندما جاءني نعيه ظهر الجمعة، لم أصدق للوهلة الأولى، وكأنني نسيت حقيقة الموت، وحكمة الله تعالى به، وأنه يأتي دون استئذان.
خرجت من البيت دون أن أعرف وجهتي، أبحث عن سيارته بالطرقات، وعندما أقبلت على الدستور، كنت أكاد أن أكون متأكداً أنني سأجدها على البوابة، وأن نايف ينتظرني كعادته ويقول لي بصوته المجلجل «ليش متأخر يا رئيس التحرير.. أو وينك يا خالي»، كنت أنظر في الشوارع بوجوه المارة، رأيتهم كلهم نايف، ولكنني عندما وصلت إلى باب الدستور لم أجد سيارة نايف ولم أجد نايف..
وصلت بيته أنا وثلة من الزملاء ونحن تائهون على وجوهنا، لا نعرف ماذا نفعل، فقط نريد أن نتأكد من الخبر، أو بالأحرى نريد من أحد أن ينفيه، إلى أن وصلنا إلى بوابة منزله فأخبرنا جيرانه أن كل أهله في المستشفى، ساعتها أدركت الحقيقة المرة أن أبا شهم قد فارق الحياة، ومع ذلك أعترف أنني حتى فجر السبت كنت انتظر أن يرن هاتفي ويقول لي من على الطرف الآخر أن موت نايف ما هو إلا إشاعة، أو خطأ في الأسماء، أو يتحدث هو نفسه معي ويقول لي بابتسامته المعتادة «صدقت موتي يا خال».
وعندما جلست ظهر أمس بالقرب من جثمانه في مسجد معان الكبير، كنت أحس أنه بأي لحظة سيمزق ثوبه الأبيض ويخرج علينا بابتسامته العريضة، حاملاً قلمه ومايكريفونه، لم أصدق تماماً كل ما حدث خلال يوم الجمعة إلا عندما رأيت التراب ينهال عليه ومنظر الناس الذين جاءوا بالآلاف من كل أنحاء المملكة ليشيعوه والدموع تملأ جفونهم، ساعتها أدركت فقط أن أبا شهم غادرني...
وأنا الذي كنت أردد طيلة الليل «نايف لا تغادرني..».
أمس عندما كنت مع الزملاء على الطريق الصحراوي متجهين إلى معان لتشييع جثمانه استعدت شريط مسيرته في الدستور، حيث كان يكافح ويكابد من أجل الوصول إلى الخبر الصحيح، وكان لا يرضى إلا بالسبق الصحفي، خدمة لمهنته ووطنه الذي كان مسكوناً بحبه، وظل يهتف له حتى آخر لحظة في حياته، انحاز فيه للمظلومين، وللفقراء والأيتام، وفي حياته مئات القصص والمواقف في هذا المجال.
رافقته في السفر عدة مرات في رحلات الحج والعمرة، حيث كان ملاذاً لمن معه دائماً، يخدم ويساعد كل من حوله، بنفس متسامحة وقلب كله طيبة وتواضع..
نايف آآآآآخ ما أصعب فراقك، وما أقسى موتك، لو أنني أستطيع أن أصرخ لأطبق صوتي على جبال عمان السبع، من شدة الألم، رحمك الله أيها الحبيب، وجعل الرضوان مسكنك، ولكن لا نملك إلا أن نقول في هذا الموقف تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا نايف لمحزونون، وإنا لله وإنا إليه راجعون. سلام عليك يا أبا شهم يوم ولدت ويوم عرفناك ويوم فارقتنا دون استئذان.
الدستور