احتفل اليونانيون في شوارع أثينا والمدن الأخرى بقرارهم رفض برنامج التقشف المطلوب منهم كشرط للحصول على عملية إنقاذ مالي أخرى، وقال بعض المعلقين أن اليونان انتصرت على الرأسمالية!
الحقيقة أن نتيجة الاستفتاء تعني إغلاق الباب أمام إنقاذ اليونان بمال إضافي يعيد فتح البنوك التي أغلقت أبوابها لنضوب السيولة، ويعيد الحياة في اليونان إلى مجراها الطبيعي ولو مؤقتاً.
لكن اليونان بقيادة حكومتها اليسارية عادت إلى صوابها، وقدمت تنازلات كبيرة قد تسمح بتمرير الازمة وترحيلها إلى الأمام آخذة بالاعتبار أن دينها يتجاوز 350 مليار دولار وأن اليونان لن تستطيع تسديد ديونها الطائلة لا الآن ولا في المستقبل المنظور.
ما ستقدمه المجموعة الدائنة المكونة من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي سوف يستعمل لتسديد الدائنين، فالمحصلة هي تأجيل المشكلة وليس حلها (مجرد إعادة جدولة).
لكن التأجيل مهم. وشراء الوقت قد يكون مفيداً إذا استعملت الدولة المأزومة هذا الوقت لإصلاح شؤونها وتمكين اقتصادها من الوقوف على قدميه ليس ليسدد الديون بل لتقليل حاجته للمزيد منها.
المهم أن اليونانيين، الذين عاشوا لعدة سنوات على مستوى يفوق قدراتهم الذاتية اعتمادأً على المال المقترض،
جاء الوقت ليدفعوا الثمن وهو باهظ، سواء توصلوا إلى اتفاق مع الدائنين أو أعلنوا إفلاسهم، ذلك أن الناتج المحلي الإجمالي هبط بنسبة الربع، ومعدل البطالة تجاوز 25% وما زالت الأزمة في أولها.
بالنتيجة تعهدت الحكومة اليونانية بتخفيض الرواتب ومعاشات التقاعد، ورفع سن التقاعد، وتخفيض الإنفاق العام وبيع بعض أملاك الدولة لغاية 55 مليار دولار.
تملك الحكومة اليونانية أراضي وعقارات غير مستعملة، وما بين 1200 إلى 6000 جزيرة، 227 منها غير مأهولة، والسعر الدارج لا يزيد عن ثلاثة ملايين دولار للجزيرة الصغيرة. وتفكر الحكومة ببيع أو تأجير الميناء الرئيسي.
حالة اليونان تقدم درساً لمن يريد أن يتعظ بغيره، فاستخدام القروض لتأجيل مواجهة المشاكل، والتوغل في المديونية بالعملات الأجنبية، وتحقيق نمو كاذب أمور يجب أن تتجنبها أية حكومة مسؤولة، فالاقتراض جائز لتمويل مشاريع يثبت أنها قادرة على تسديد ديونها أما تمويل الاستهلاك والدعم من القروض فجريمة بحق الأجيال.
الرأي