يلهث الشعر خلف النكبة وتلهث لغة عجوز خلف الأحداث فتواصل الفشل على مدى ستين عاما في أن تنحت مفردات خالية من النبرة البكائية، وحين يجري استحضار تفاصيل النكبة يلجأ العقل الجمعي لكل الناطقين بالعربية إلى استبطان المفردات التي تؤكد الفجيعة وتجذر الخسارة حتى يكاد كل فرد منا أن يحمل على منكبيه وزر الهزيمة الأولى.
أبدعنا في تأصيل الهزيمة ونقلنا مفرداتها من ارض المعركة إلى الوجدان حتى غدت جزءا أساسيا من الشخصية العربية التي أدمنت التوجد والوقوف على الأطلال وتحويل المفاتيح الصدئة إلى أيقونات تذكرنا صباح مساء بأننا غير جديرين بالاحتفال والفرح والزهو.
لم ننتج خطابا مضادا لواقع مرير ولم تنتفض لغتنا على قواعد الصرف والنحو ولم يجرؤ احد على النيل من سطوة الماضي ولم نصب بعدوى الحداثة رغم الاحتكاك المباشر مع اغلب باحثي الغرب واستخدامهم لأسرتنا والنوم فيها ، وكل ما جرى على مدى نصف قرن ويزيد إننا اختزلنا الجغرافيا في صورة معلقة على جدار فيما نواصل عقد المقارنات بين المتنبي ودرويش وبين ابن تيمية وتلامذته وننقسم بين الأشعري وابن العاص هذا يشجع وذاك ينتقد وكأن التحكيم حدث البارحة.
نواضب على إرهاف السمع لعل في المدى صوتا لوقع خيول تأتي من بطن كتاب حاملة على صهواتها فارسا يحرر المحتل من الأرض ، رأى البعض في عبد الناصر ملمحا للناصر صلاح الدين فكانت النتيجة أن استولد من رحم النكبة ابنة اسماها نكسة فضاع ما تبقى من ارض ثم جرى استبطان صورة الناصر مرة أخرى في ملامح لعراقي نزق وسرعان ما أفضت الحالة إلى توسيع رقعة المحتل من أرضنا وها نحن نرقب عمامة شاب من جبل عامل ونحيل بعضا من ملامحه إلى الماضي التليد لكننا دون أن ندري قد نضطر إلى توسيع رقعة الاحتلالات في وقت قريب.
لسنا سوى جموع غفيرة من مدمني الفرجة والتحليل والركض خلف تجار الخدر السياسي وكأن الهزائم ليست سوى ضرب من سوء الحظ أو خيانة في اللحظة الأخيرة ، وليست نتاج ثقافة مهترئة ينز منها صديد الزمن المتعفن تأبى أن تعترف بأنها خارج التاريخ.
samizobaidi@gmail.com
الراي