الفلكيون شعراء من نوع آخر، يكتبون قصائدهم بمناظيرهم المصوّبة نحو رقاع السماء، الفضاء بحرٌ مقلوب قاعه في قبة القبّة، وشواطئه محصورة بين شروق وغروب، الفلكيون بشر مثلنا، يهربون من مراقبة «الإجرام» إلى مراقبة «الأجرام»، ومن هزّ «الأذناب» إلى حركة «المذنبات»، لذا العدسة المكبرة التي يستخدمونها لا تقرب الأجساد البعيدة فقط، فهي تبعد المنغصات القريبة أيضاً وترميها خلف ظهورهم.
الفلكيون يرون الكواكب نتوءات قشعريرة فوق جلد الليل، مثلاً أسموا مجرة كاملة بدرب «التبّانة»، لقد تخيّلوا الحصادين يحملون أكياس التبن على ظهورهم ويمرون من درب السماء، والتبن الساقط هو مجرد نجوم وكويكبات لا أكثر تشبه ما يسقطه الفلاح من أكياس التبن المحشوة آخر الحصاد.
**
في تموز الماضي ظهر القمر كاملاً مرتين، الأولى في أوله والثانية في آخره، وقد اصطلح الفلكيون على القمر الذي ظهر في المرة الثانية القمر الأزرق، طبعاً لا يوجد أي وجه للتسمية إلا أن الرومانسية الذائبة في قدح الخيال هي من أشار إلى هذه التسمية، عندما أرى القمر مكتملاً أتخيله ثقباً في عباءة الليل، أو طاقة ضوء من زنزانة طويلة ومطبقة، وأحياناً أرى القمر شرطي آداب مهمته أن ينغّص على العاشقين والمتسللين خلف جدار العتمة، لكني لم أره قمراً أزرق على الإطلاق، أنا أراه قمراً وحسب، فالقمر في حد ذاته لون مستقل تماماً مثل الفرح ومثل الدمع ومثل الشوق، هل يستطيع أحدكم أن يخترع لوناً للشوق؟
تقول نظرية أخرى، إن القمر الأزرق يصبح أزرقَ بالفعل عندما يكون هناك ثوران بركاني ورماد في الغلاف نتيجة الحرائق الهائلة، ما يخلق حالة وهالة من الضباب حول القمر، فالرماد والدخان يجعلان وجه القمر معفّراً في الزرقة.
إن صحّت هذه النظرية فقمر العرب دائماً أزرق، فمنذ حرب البسوس إلى حرب «النصوص» هناك رماد في «الغلاف» وهناك دخان في «الخلاف».
الرأي