وزيـر "تطبيـق الحدود" .. !!
حسين الرواشدة
05-08-2015 04:13 AM
في سباق مارثون "نوايا" اصلاح التعليم، قفز وزير التربية والتعليم الى خط النهاية، فقرر على الفور اقامة منصة لمحاكمة الطلبة الذي امضوا على مقاعد الدراسة اثني عشر عاما، وبتهمة التقصير في اداء الامتحان الاخير، امتحان التوجيهي، اصدر عليهم احكاما بالرسوب، ومن المفارقات ان المحكمة خلت من الشهود ومن محاميي الدفاع والادلة الدامغة، وكان المتهم الوحيد في القاعة هو الطالب، فيما لم نسمع عن اية احكام صدرت بحق المدارس او المعلمين او الوزارة.
ما فعله السيد الوزير يشبه تماما ما فعله بعض المتحمسين لتطبيق الشريعة حين رفعوا شعار تطبيق الحدود، وبدأوا بقطع ايدي السارقين وجلد المتهمين بالفاحشة وتعزير الخارجين على النظام العام.
الجريمة التي ارتكبها “التلاميذ“ هي انهم تلقوا تعليما رديئا مقارنة بزملائهم الناجحين، واعتمدوا على ما تقدمه مدارسهم المتواضعة لان اباءهم ببساطة فقراء لا حيلة لهم بتعيين اساتذة لاعطائهم دروسا خصوصية ، ولا بادخالهم الى المدارس “الراقية” التي يزيد رسوم بعضها على 25 الف دينار سنويا.
سيقال هنا : ان الاسئلة موحدة من المنهاج، وان الطلبة سواسية امام الامتحان ، ولكل مجتهد نصيب ، وربما يذكرنا البعض بما فعله جيلنا حين انتزع النجاح من “فم الذيب” ، ونرد ببساطة ايضا: ان نحو 400 مدرسة لم ينجح فيها طالب واحد، ونحو 53 الفا رسبوا ، هل كانوا جميعا كسالى وفاشلين، وهل جيل اليوم مثل جيلنا وعصرهم يشبه عصرنا، هل كانت آنذاك مدارس تعلم بالملاليم واخرى بالالوف..؟ ثم ان تحميل هؤلاء مسؤولية الرسوب دون النظر الى ما قدمناه لهم من تعليم جيد ومناخات دراسية محترمة ، مقارن باقرانهم في المدارس المحظوظة، ودون مراعاة لواقعهم والمهارات التي اكتسبوها على مدى 12 عاما في مدارس عانت من الاهمال هو بمثابة احكام جائرة.
لا نريد ان نسأل المسؤولين: الى اين سيذهب نحو 96 الف طالب ( 43 الفا انسحبوا قبل تقديم الامتحان و 53 الفا رسبوا فيه)، ولكننا نريد ان نسأل بصراحة: من اين جاء هؤلاء الراسبون ومن اي تربة خرجوا، وما هي الطبقات الاجتماعية التي ينتسبون اليها ، هل يعقل ان نفاجأ بعد سنوات (اذا ما سار قطار اصلاح التعليم على سكة التوجيهي فقط) ان طبقة ابناء الفلاحين لا نصيب لها في التعليم العالي ولا في مواقع الدولة، ولا حتى في المهن التي تنتسب للطبقة الوسطى..؟
في فقه تطبيق الشريعة لا يجوز اقامة الحدود مع وجود اية شبهة، كما لا يجوز اقامتها الا بعد الاطمئنان الى ان الشريعة مطبقة بشكل كامل، ذلك انه لايمكن اقامة حد السرقة مثلا مع وجود الفقر والجوع، بل ان عدم تطبيق الحدود اذا لم تتوفر الشروط الواجبة امر واجب، وبالمقارنة، فان تطبيق حد الرسوب بهذا الشكل الذي احتفلنا به للاسف لا يجوز ما لم تتوافر شروط التعليم اللازمة، وما لم يتم اقامة موازين العدل على قدم المساواة ، بحيث يحصل الجميع على فرص متكافئة تؤهلهم لكي يخضعوا لامتحان واحد.
ارجو ان لا يظن احد انني ضد اعادة الهيبة للتوجيهي، او انني -معاذ الله - ادعو للتساهل مع الغش ومع رفع نسب النجاح، هذا لا يخطر الى بالي اطلاقا ، لكنني ضد الظلم الذي وقع على الالاف من ابنائنا الطلبة بذريعة رفع كفاءة الامتحان ومستواه وتعديل منطق الاسئلة فيه، كما انني ضد تحميلهم مسؤولية الرسوب وحدهم ، لان الاولى ان نتدرج في اصلاح الخطأ ، ونتقاسم مسؤولية الفشل ونوزعها على الجميع، وان تراعي الاحكام التي اصدرناها على عجل احوال الطلبة وظروفهم والفوارق بينهم، وان تسبق الرحمة العدالة ايضا.
نعم، اذا كنا جادين في المحاسبة فيجب ان نحاسب الجميع، ولا بد ان نبحث عن حلول اخرى اكثر انصافا وعدالة لاعادة التعليم الى سكة السلامة، واعادة التوجيهي (اذا كان الامتحان ما زال هدفا بحد ذاته) الى الهيبة، الهيبة التي يفرضها الطلبة عليه بدافع ذاتي، لا تلك التي تفرضها سلطة المقررات والحراسات.
بصراحة من دفع فاتورة هيبة التوجيهي هم ابناء الاطراف والقرى والبوادي، وهم طلبة المدارس الحكومية الاقل حظا مقارنة بمدارس “البزنس” والنخب، المفزع هنا ان ثمن الرسوب سيكون مكلفا لهؤلاء وللبلد ايضا، خاصة حين ندقق في تفاصيل هذا الرسوب وحيثياته ناهيك عن مآلاته ،تصور ان علامة ناقصة او علامتين لطالب في مادة الانجليزي مثلا يمكن ان تحرمه سنة كاملة وربما العمر كله من الالتحاق بالجامعة مع انه لا مقارنة بين تدريس هذه المادة في المدارس الخاصة والحكومية، تصور ايضا ان محافظة كاملة (مثل معان مثلا) لم يتجاوز من حصل فيها على معدل فوق 90 عدد الاصابع ستحرم من مقاعد الطب والهندسة،(ما لم نستنجد بالاستثناءات)، وبعد ذلك ارجو ألاّ تسأل لماذا تصدرت المدارس الخاصة قوائم النسب العليا من الناجحين ومن اعلى العلامات فيما اخفقت نسبة كبيرة من مدارسنا الحكومية في ادخال الفرحة الى طالب واحد، هل ثمة كارثة اكبر من هذه النتيجة، اخشى ما اخشاه ان يفاجأنا الاستثمار في هذا الفشل من قبل البعض بكارثة اسوأ. اسألوا الله ألاّ يحدث ذلك.
الدستور