قد يبدو هذا العنوان مُوغلا في التّناقض كما لو اننا نقول بأن الثّلج ساخن والأفعى لها ساقان والسلحفاة لها جناحان، لكن من قال لنا من الاسلاف ان هناك خضراء الدّمن كان يدرك ان لون العَفَن أخضر، وكنا نسمع من امهاتنا ونحن صغار ان الاناء المتروك مُخضرِم ثم عرفنا بعد ذلك ان ما يطفو من الطحالب على سطوح المستنقعات لونه اخضر.
لكن ما اعنيه بالجحيم الاخضر شيئا آخر تماما، انه حالات النفاق التي تبلغ ذروتها عندما يصطنع بعض الناس سلوكا منقطعا تماما عن تفكيرهم، ويرتدون اقنعة من شمع ما ان تشرق الشمس حتى تُذيبها، وقد تنبّه لذلك سينارست عربي عندما كتب قصة فيلم بعنوان انتبهوا ايها السادة، موضوعه باختصار ان زبّالا خدع سُكّان العمارة التي كان يعمل فيها واستطاع اخيرا ان يطرد استاذا جامعيا ويستولي على شقّته، ورغم ان هذا التصوّر قد يبدو مسيئا لأصحاب مهن نحن في اشد الحاجة اليها، الا ان الدلالة ابعد من ذلك، وهذا مجرد استدراك كي لا يفهم من هذا السياق ما فُهم من تصريح لوزير عدل عربي دفع ثمنه بأن اُقيل من منصبه.
الجحيم الاخضر، او العفن الذي يغطي المستنقع هوالفخ الذي نقع فيه احيانا عندما نصدق الغراب اذا قال بأنه حمامة ، فنحن نعيش في عصر لم تتبدل غُزلانه فقط الى قردة، بل اصبح الفأر فيه يزأر والديك يبيض والحرة تأكل بثدييها حتى قبل ان تجوع!
ان ضحايا هذا العصر هم البرىء والطفل والمثقف، وهؤلاء الثلاثة ليست لديهم الخبرة الكافية في فقه الخداع، لأن البرىء يظن ان الاخرين مثله، والطفل لم يبلغ بعد سن الرشد .
اما المثقف فلأنه مستغرق في شجون اخرى، ويستخدم ذكاءه في مجالات لم تتلوث بالمكر وحيل الثعالب ومراوغات الحرباء.
لن نكرر ما قاله ذلك الفيلم انتبهوا ايها السادة، او من تبقى منكم على قيد الكرامة واحترام الذات ولكننا نقولها بملء الفم: احذروا هؤلاء لأنهم ما ان يشعروا بالدفء حتى يلدغوا من عطف عليهم وغطّاهم بقميصه!
الدستور