facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




موسيقى الملاعق


صبري الربيحات
02-08-2015 01:40 PM

في الثقافة العربية حديث كثير عن الاكل.. وعادات تتمحور حوله كالدعوات.. والعزائم والكرم.. وقيم نشأت بالنظر الى علاقة اعضاء الجماعة به فهناك الكريم والبخيل وطعام الزاد...

وفي بلادنا قلما يبدأ لقاء دون المباشرة بالحديث عن الشرب وينتهي دون الحديث عن الاكل؛ حتى اصبحت الولائم والدعوات اهم انشطة المجتمع السياسية والاجتماعية والثقافية.. بل هي محور كل شيء في مجتمعنا.

في الغالب يتحدث الناس عن الاكل الجماعي كثيرا ولا يولون الاكل كظاهرة فردية اي اهتمام فيقولون اكلنا او دعينا او عزمنا.. ونادراً ما يتحدث الفرد عن الطعام بصيغة المفرد بل ان ذلك لا يعتبر من باب اللياقة.

الكثير من الشيوخ اصبحوا شيوخا بكرمهم والبعض بحكمتهم او شجاعتهم وآخرون بعدلهم وملكياتهم ونسبهم..

للاكل الجماعي ثقافتان احداهما شعبية نشأت في بيوت الشعر ومجتمع الرعي والزراعة والاخرى رسمية ظهرت في المؤسسات العسكرية والعقابية وغيرهما.

العديد من الافلام التي تحكي قصص السجون وحياة المجندين تشتمل على مشاهد لتناول الطعام في القاعات المخصصة لذلك "الميس" او "المطعم" او "الكنتين" ففي القاعات التي جهزت بمناضد الاكل والمقاعد المتقابلة يجلس المجندون او الجنود بعد ان تصرف لهم الوجبات ويبقى الجميع مهيأ لتلقي ايعاز البدء بتناول الطعام بعد اكتمال صرفه لآخر تلميذ او سجين.

طقس الاكل الجماعي هذا جزء لا يتجزأ من التدريب على الانضباط والسرعة والاتيكيت الذي يعتبر ضروريا لاشاعة النظام وخلق الروح الجماعية لتسهيل ادارة وقيادة اعداد هائلة من الشباب والاشخاص الذين قد يبدون بعض مظاهر العصيان والتمرد اذا ما غابت القواعد او جرى التساهل في تطبيقها.

في سنوات الشباب دخلنا معسكرات صيفية امتزجت فيها روح التطوع مع الضبط العسكري حيث جرى تدريبنا على الالتزام بقواعد الصحيان والرياضة وقواعد تناول الطعام والعمل والمخاطبة والنوم.. ولاحقا مارسنا الطقوس في معسكرات التدريب تلاميذ ومدربين وكانت مشاهدة النظام والانضباط تفرحنا كثيرا وتكسب المتدربين الجدد عادات تلازمهم بصورة ازلية وتجعلهم اقرب الى الذين مروا بتجارب مشابهة.

خارج كل اطر الجندية والسجون والمؤسسات الداخلية تعتبر الولائم الجماعية وآداب تنظيمها وادارتها والتعامل معها مؤسسة جديدة للتدريب على البروتوكول والقواعد التي تحتمل اسقاطات جديدة على جوانب حياتية اخرى .. وقد كان المنسف ولا يزال طاولة تدريبنا الرملية على القواعد والاداب التي تستدعي التطبيق في الاعداد والتجهيز والتقديم..

لسنوات وعقود وفي كثير من مجتمعاتنا كانت مناسف الولائم تعد في البيوت بطرق تقليدية يشرف على اعدادها وسكبها وتجهيزها الرجال.. لتقدم على مناضد يقف حولها المدعوون بحلقات مستخدمين اياديهم اليمنى ومؤخرين اليسرى في سلوك لا يخلو من الكياسة والايثار والاحترام.. ويتناول الضيوف طعامهم بايقاع وبتزامن بحيث ينهي غالبية الافراد طعامهم في زمن قياسي بحيث يأخذ الجميع وقتاً متساوياً مهما تباينت استعداداتهم لتناول كميات منه.

اليوم اصبحت الكثير من التقاليد ضربا من الماضي بعد ان ظهرت مؤسسات الضيافة الجديدة و تولت هي عمليات الاعداد والتنظيم والتقديم وسائر مستلزمات ادارة الولائم من الفها الى يائها....فادخلت نمط تقديم المنسف على طاولة تحيطها المقاعد والصحون وادوات السكب والتوزيع في اشارة الى تحول الطبق الجماعي الذي يتحلق حوله الجميع الى وعاء يحمل وجبات فردية يجري توزيعها على أطباق وتناولها دون استخدام الاصابع في جس وتكوير وخلط ودفع وتناول الكميات التي يحتاجها الافراد من الطبق الجماعي.

ما من شك ان في النمط الجديد كثير من التحضر والنظافة والترشيد وتقليل للهدر والضوضاء وقلة التنظيم.. النقطة الاضافية التي لم تكن في الحسبان انك تتناول وجبتك اليوم على موسيقى الملاعق وهي تقابل الصحون بايقاع مريح يشبه ما كنا نشاهده في الافلام..

في كل مرة اشارك فيها في مناسبات اهلنا يدهشني حجم التحول الذي طرأ على ممارسات كنا قد ألفناها ويعجبني أن المجتمع في بعض جوانب حياته يتحول نحو العقلنة والترشيد دون ان يضحي بالموروث والتقاليد.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :