من نافلة القول أن التعاون والتكامل بين أجهزة الدولة، واجب يقتضيه الحرص على استمرارها وشرط لنجاحها، وبدون هذا التعاون والتكامل تتكرر الجهود، وتتضاعف الكلف، ولا يتم الوصول إلى النتيجة المرجوة وربما وقع العكس.
ولعل من أهم ما يجب ان تتعاون، وتتكامل فيه هذه الأجهزة هو رسم صورة الدولة في الخارج وترسيخ هويتها الحضارية، وشخصيتها الوطنية. وهو دور يجب ان تلعب فيه الوفود الزائرة الممثلة للدولة من كل قطاعاتها الرسمية، والأهلية دورًا مركزيًا، خاصة من خلال الهدايا التي تقدمها للطرف الآخر، سواء كان هذا الطرف زائرًا لنا، أو كنا نحن في زيارته.
وكل الذين شاركوا في وفود أردنية مغادرة، أو شاركوا في استقبال وفود زائرة للأردن يلحظون أن هناك حرصًا من الدول التي تحترم نفسها على تقديم هدايا تُعبر عن هويتها الحضارية والثقافية، وعن شخصيتها الوطنية، من خلال تقديم صور أو مجسمات لمعالم أثرية، وتاريخية حضارية، تمثل بلد الوفد أو من خلال تقديم نماذج من منتجات ذلك البلد، سواء كانت منتجات تقليدية أو من صناعاتها.. فأين نحن في الأردن من هذا التقليد؟.
إن الإجابة عن هذا السؤال لا تسر، بل لعلها تسبب الكدر أكثر. ففي معظم الأحيان تغادر الوفود الأردنية خاصة الرسمية منها، دون ان تحمل معها هدايا بحجة ترشيد الإنفاق، مما يربك هذه الوفود ويضعها في حالة من الحرج والضيق الشديدين، خاصة عندما يقدم الطرف الآخر هدايا تُعبر عن بلده. أما في الحالات التي تقدم فيها الوفود الأردنية هدايا للطرف الآخر فإن خياراتها تكون فيها محدودة، وكأن الأردن قد أُختصر في هذه الخيارات، وهي في الغالب صور أو مجسمات بسيطة للبترا، وفي حالات أخرى عينات من أملاح البحر الميت، أو كتاب باللغة الانجليزية عن المعالم السياحية.
فماذا يستفيد منه من لا يقرأ اللغة الانجليزية من الدول التي تزورها وفودنا أو نستقبل منها وفودًا، وهذا الذي يدفعنا لكي نتقدم باقتراح إلى كل من وزارتي الأوقاف، والسياحة، وهيئة تنشيط السياحة وسائر المؤسسات التي لها علاقة برسم صورة الدولة لإقامة مشروع مشترك لإنتاج مواد تُعبر عن الهوية الحضارية للأردن، خاصة ونحن نتحدث عن السياحة الدينية، فلماذا لا ننتج مجسمات أو صورًا، أو رسومًا، أو جداريات لمقامات وأضرحة شهداء مؤتة، أو مقام أبي عبيدة في الغور الأوسط، أو مقام معاذ بن جبل في الغور الشمالي؟ ولماذا لا ننتج مجسمات، أو صورًا ورسومًا لمسجد المغفور له الملك حسين، أو مسجد الملك المؤسس عبد الله بن الحسين؟ ولماذا لا ننتج مجسمات أو صورا ورسوما لكهف أهل الكهف؟ ولماذا لا يكون لدينا مجسم صغير، أو صورًا ورسومًا، أو جداريات لمعركتي مؤتة أو اليرموك؟
ويمكن إنتاج ذلك كله من مواد محلية كخشب الزيتون، والبلوط، أو الصدف، أو الجلود.. ويمكن أيضاً الاستعانة بالفنانين والفنيين الأردنيين، لإعداد ذلك كله، مما يفتح أمامهم سُبل العمل، ويساهم بالتعريف بهم على مستوى العالم، وهذا لا يعني أن نهمل سائر مكونات التاريخ، والجغرافيا والحضارة الأردنية فلدينا قلعة الشوبك، وقلعة الكرك، وقلعة عجلون، ولدينا آثار أم قيس، ولدينا واحة الأزرق، ولدينا محمية ضانا، ولدينا غابات دبين وبرقش، ولدينا مادبا وآثارها، والمغطس وقدسيته وغيرها من روائع الطبيعة في بلدنا والتي يمكن صنع مجسمات صغيرة لها، أو وضعها على لوحات مرسومة أو مصورة، وهذا يحررنا من عقدة اختصار الأردن ببعض المواقع خاصة البترا، والعقبة، والبحر الميت ورم على أهميتها، لكنها لا تمثل إلا جزءًا يسيرًا من المكون السياحي في الأردن، يكاد يكون محصورًا في منطقة جغرافية واحدة، في وقت نطالب به بعدالة توزيع موارد التنمية على امتداد جغرافية الوطن، هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى فإن التنويع الذي نطالب به ففوق فائدته الاقتصادية، فإنه يساهم أيضاً برفع نسبة المهتمين بالأردن ويشجعهم على زيارته.
كما يساهم هذا التنويع في بناء الاعتزاز والكبرياء الوطني لأبناء بلدنا. فهل تبادر وزارتا الأوقاف والسياحة، وهيئة تنشيط السياحة إلى عمل مشترك لتنفيذ هذا المقترح القابل للكثير من التطوير والتحسين والسهل في التنفيذ والكبير في فوائده واقلها تقديم وفود الدولة لهدايا تدل على هويتها الحضارية وتاريخها العظيم.
الراي