"فلسطين" موطن صغيرٌ من أرض كبيرة لا تتعدى مساحتها ستة وعشرين ألف كيلو متراً مربعاً، لطالما كانت في الزمن القديم هي منبع للقداسة و الجمال و الطهارة و الأصل الشريف, فكانت كأعضاء الجسد الواحد تكمّل بعضها بعضاً,وتسند بعضها بعضاً, الى أن أصبحت للأسف فريسةً ضعيفةً لا حول لها ولا قوة ,مما جعلها هدفاً سهل المنال من قبل اليهود و المستوطنين بتوجيه من دول عظمى ,والقيام بانتهاك حرمتها و استنزافهم لكل مواردها الإنتاجية و البشرية ان أردنا القول.
فلسطين, الآن , هي الحلقة الأضعف من كل ناحية, ويستمرون في إضعافها أكثر فأكثر بهدف مسحها عن الأرض وإنشاء أكبر عدد من المستوطنات ,و تأمين لهم المسكن و المأوى و الغذاء و الدواء على حساب حياة المئات من الأطفال و النساء و كبار السّن, فلسطين,إنها الأضعف في التعليم,الطب,الخدمات ,إيواء المواطنين, الأضعف في المساعدات الإنسانية و الدعم الدوليّ و المجتمعيّ,إنها الاضعف حتى في حقوق الانسان ,فعَبَرَت تلك الحقوق الإنسانية التي لطالما تغنّت بها الأمم المتحدة و التي من حق أيّ انسان على وجه الكرة الأرضية التمتع بها , ابتداءاً من حقوق الأطفال الرضّع الذين يموتون كل يوم بأساليب متجددة و متطورة و متنوعة ترسم على وجوه أولئك المجردون من الاحاسيس و المشاعر ابتسامة خائنة لله تعالى ,و الذي توعّد لهم بعذاب عظيم لا يتصوره عقل و لا جسد ,الى النساء المستنزفات جسدياً و معنوياً ,اللواتي أصبحن كالصخر من شدة قساوة الأيام و الأزمان عليهن, لدرجة تصل الى انني أصبحت اشكك بأنوثتهنّ فعلاً, حيث أصبحت المرأة الواحدة منهن يوازيها مئة رجل بعقلها و صلبها و مجاراة دموعها و محاولتها لتجميع فتات قلب قد بنى لنفسه مسكناً من الآهات والتنهّدات بمحاذاة قبر ولدها الشهيد,انتهاءاً بالرجال و الآباء و كبار السن, فلا عسانا القول إلا لا حول ولا قوة إلا بالله.
وانني كأردنية قد اهتزَّ بدني كله حين رؤيتي لصورة طفل يبلغ من العام ثمانية عشرة شهراً مات حرقاً ,مات حرقاً و هو في مهده السماوي المضيء بنور ربّه الأعلى ,طفل كالملاك ,جميل كباقي الأطفال,ما سبق بأن تحدث ولو بكلمة غير بابا وماما,واني لدمعت قهراً وحرقةً بالنيابة عن أهله المصابين ,وإني لبكيت حسرة على ما حلّ بهذه الدنيا,فلا أنفكّ رؤية مواقع التواصل أو التلفاز لبضعة دقائق إلى ان أرى مصائب لا تحملها الجبال ,و أسمع كلاماً من أصحاب القرار في البلاد انحصرت أحرفه و هجاؤه ب(بلا بلا بلا بلا) وكأنه جرعة مخدّرة للفلسطينيين في كل مرة ,فما بالكم أيها البشر,فما بال الفلسطينيين أنفسهم المغتربين عن بلادهم ,وما حال المسؤولين أصحاب الكراسي في حكومتهم الذين يكسبون المزيد من الأموال مقابل بيع هذا الوطن الذي لا يقدّر بثمن , وما نتيجة المظاهرات السلمية أو الغير السلمية التي تقومون بها حتى وان جلستم شهراً بحاله,ما الذي سوف يغيّر الحال؟ وما ان تنتهي تلك التجمعات و المظاهرات الى أن تعودوا للمطاعم و للسّهَرات أو أن تَغطُسوا في نومكم العميق بلا همّ أو فكر يعكر صفو حياتكم, انا أردنية الأصل و موطني هنا الأردن, وبدوري لن أسمح لأي شخص أو عمل أو رأي متطرف يكاد يمس موطني أو يمس كرامته بأي شكل,فهذا أُردُنّي أنا,فما الذي أصابكي يا فلسطين؟
إن الإهتمام بالقضية الفلسطينية ومحاولات تصفيتها وصل إلى الحضيض بالفعل، والغريب بالأمر بأن جميع الدول العربية لا تملك حلولاً أو حتى قراراً موحداً بحل تلك العقدة الطويلة المدى ،بغض النظر عن معارضة مقسومة أم موالاة مؤيدة, مادامت فلسطين محتلة فلنعلم إذن بأننا جميعاً نشكل الحلقة الأضعف في معادلة تحركنا ولا نحرّك فيها ساكناً أبداُ,بل يبقى الحال كما أو أسوأ...
فرح العبدالات