يشكل المغتربون ثروة وطنية هائلة للبلاد، انطلاقاً من فلسفة الاستثمار في الإنسان، ويمكن القول أن هذا النوع من الاستثمار فيما إذا تم إحسان التخطيط وصياغة الرؤية المحكمة من قبل الحكومة لهذا المجال الحيوي والمهم، الذي يشكل رافداً كبيراً للاقتصاد الوطني، فضلاً عن العلاقة الاستراتيجية الواضحة في الجانب الإنساني والمعنوي الذي لا يقل أهمية عن الجانب الاقتصادي.
الالتفات إلى هذا الجانب والبدء بتنفيذ اقتراح مؤتمر المغتربين السنوي في كل عام يمثل محطة مهمة على صعيد تنظيم هذا المورد؛ بطريقة تشاركية بين الحكومة من جهة، وجسم المغتربين من جهة أخرى، بحيث ينبغي الوقوف على رأي المغتربين والجاليات الأردنية في مواطن الاغتراب في كل دول العالم، بالإضافة للوقوف على رأي الخبراء وأصحاب النظرة الاستراتيجية في شأن الاغتراب ومآلاته على المصلحة الوطنية العليا.
قضية المغتربين لها عدة جوانب تستحق الدراسة والانضاج، بحيث يكون العمل على عدة مسارات متوازية ومتكاملة في الوقت نفسه، من أجل تحصيل أكبر قدر من الفائدة تعود على المغتربين أنفسهم وتعود على الوطن والمصلحة العامة.
الجانب الأول يتعلق بتنظيم الوجود الأردني في الخارج من حيث الاطلاع على أوضاعهم المعيشية في دول الاغتراب، ورعاية حقوقهم وحل مشاكلهم، وتنظيم العلاقة بينهم وبين الجهات الرسمية لتكون وفقاً للقوانين والأنظمة المرعية، ومن أجل حفظ مصالحهم، بطريقة سلمية، والحيلولة دون ضياع حقوقهم ووقوعهم في مصائد الاحتيال، وبتعبير آخر يجب أن يشعر المغترب الأردني أن هناك جهة ترعاه، ويستند إلى جدار قوي يحميه، مما يزيد من انتمائه الوطني، ويرفع درجة التنسيق بينه وبين الجهات الحكومية المختصة.
الجانب الثاني يتعلق بتنظيم مواردهم المالية وتحويلاتهم الخارجية، من حيث سلامة الإجراءات وتسهيلها وتنظيمها بطريقة تحفظ كرامتهم وتحترم مكانتهم، ومن حيث البحث عن الأوعية المالية المأمونة، والبحث عن المشاريع المدروسة التي تحقق الجدوى والربح المناسب لهم، ويعود بالنفع على وطنهم وأهلهم وشعبهم، الذي يتمثل بتشغيل الأيدي العاملة، وتنفيذ المشاريع المطلوبة التي ينقصها التمويل.
الجانب الثالث يتمثل بإيجاد مراكز المعلومات والبحث والدراسات الاستراتيجية؛ المختصة بالجانب الاقتصادي والجانب السياسي والاجتماعي والعلمي، بحيث يتشكل من ذلك بنوك معلومات تتعلق بالبنية التحتية ومجالات النقص والاشباع في مختلف المجالات، وينشأ عن ذلك عقل موّجه لهذا المورد بطريقة علميّة، ويقف على حاجات المحافظات من أجل توزيع المشاريع على مناطق المملكة المختلفة، وتجنب الازدحام الذي يلحق الضرر بهم وبالمصلحة العامة، ومن أجل تنظيم خروج الكفاءات، للحيلولة دون الوقوع في شرك نزيف الأدمغة وهدر الكفاءات.
مما يقتضي عدم اقتصار موضوع الدراسات على الجانب الرقمي الضيق، بل يجب أن يخضع لرؤية استراتيجية تتعلق بالدولة الأردنية بشكل كلي وشامل، بحيث لا يكون الاغتراب مؤثراً على الوضع المحلّي ولا يكون سبباً في حرمان البلد من الكفاءات الضرورية، بمعنى أن موضوع الاغتراب يجب أن يخرج من دائرة العشوائية والقرارات الفردية.
الجانب الرابع يتعلق بالطلبة الدارسين والملتحقين بالبرامج التعليمية، على مستوى البكالوريوس والدراسات العليا، من أجل البحث عن الاستفادة بأعلى درجات الاستثمار، للحصول على التخصصات المطلوبة والخبرات النادرة في الحقول العلمية، بطريقة مدروسة قائمة على معرفة الأرقام والاحصائيات المختصة بهذا الشأن، ومن ثم الحرص على التواصل الدائم مع المغتربين بكل شرائحهم، عن طريق سفارات الأردن وما يتبعها من مؤسسات ثقافية مختصة.
الجانب الخامس يتعلق بالجانب السياسي، بحيث تجعل من هذا الجسم المتعلم والمثقف قطاعاً فاعلاً في الشأن السياسي وإدارة الدولة، ولذلك يجب التفكير في كيفية مشاركتهم بالانتخابات البرلمانية، وتمثيلهم بطريقة مدروسة، وهناك جانب يتعلق بمأسسة و تنظيم وجودهم الجمعي المغترب في مختلف الدول، من أجل الحيلولة دون حدوث الاختراقات في ظل تفشي مظاهر العنف والتطرف، وانتشار بعض الأفكار غير المحمودة التي ربما تلحق الضرر بالمجتمع ومن أجل تسهيل الاجراءات وعملية التواصل الرسمي الفاعل.
الدستور