بإدراج قانون التنفيذ على قائمة القوانين المنوي انجازها خلال الدورة الاستثنائية الثانية لمجلس النواب، يتبين لنا مدى اهتمام المجلس وخاصة اللجنة القانونية برئاسة النائب الدكتور مصطفى العماوي بهذا القانون الهام جداً، والذي يقف بشكله المعمول به حالياً حاجزاً أمام انجاز العدالة، لكونه يعطي الفرصة تلو الأخرى للمحكوم عليهم بالهروب من تنفيذ السندات التنفيذية (الأحكام القضائية القطعية مثلاً) من خلال استغلال بعض ثغرات القانون، ما يستنفد وقت وجهد القضاة والموظفين بالمحاكم، وكذلك استنفاد صبر أصحاب الحقوق مما يدفعهم في نهاية المطاف لطلب التسوية متنازلين قهراً عن جزء كبير من حقوقهم في سبيل الانتهاء من مرارة انتظار إجراءات المحكمة، وهنا نستذكر كمثال على قصور قانون التنفيذ الحالي قضية تنفيذية ذكرها أمامنا أمين عام وزارة العدل انتهت بقبول المحكوم له (دائن) بعمل تسوية مع المحكوم عليه (مدين) بحيث يقوم المدين بدفع 25% من أصل الدين وأن يتم تقسيط المبلغ المتبقي على مدار 280 عاماً، نعم 280 عاماً، فهل هذه هي العدالة المنشودة؟
إن قانون التنفيذ المطبق حالياً يعطي الفرصة ويشجع أصحاب الضمائر الميتة للفوز بمبالغ مالية كبيرة كقروض بلا فائدة وبعدد سنوات غير محددة لسدادها، وذلك عند امتناعهم عن تسديد الديون مستغلين بذلك ثغرات قانون التنفيذ الحالي، ولهذا جاء المشروع المعدل لقانون التنفيذ بتعديل الفقرة(أ) من المادة 22 برفع نسبة الدفعة الأولى عند عمل التسوية إلى (50%) من أصل الدين وتسديد باقي المبلغ على مدار ثلاث سنوات بحد أعلى.
ونشير هنا إلى أن هذا التعديل يعتبر الأهم بحيث يقطع الطريق على أصحاب النوايا السيئة ويجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا على الاقتراض أو عند من يبيتون نوايا مسبقة بعدم دفع التزامات مالية، مثل بعض من يقومون باستئجار العقارات ويدفعون الدفعة الأولى عند توقيع عقد الإيجارة، وبعد ذلك يمتنعون عن الدفع، قائلين لصاحب العقار "إذهب وربك" لتقاتل ولتأخذ حقك مني عن طريق المحاكم، مدركين (أي المستأجرين) أن إجراءات المحاكم في هذا الموضوع تأخذ سنوات وسنوات قبل أن تمتد يد العدالة لتطالهم، ليتم بعدها عمل تسوية لتسديد ما تراكم عليهم من قيمة إيجارات لفترات سداد قد تمتد لعشرات السنوات ،هذا إذا لم يقم صاحب العقار بالتنازل عن حقوقه المادية كلها مقابل أن يقوم المستأجر بإخلاء المأجور، وذلك تجنباً للانتظار الممل والمرير والمكلف مادياً (رسوم قضايا وأتعاب محامين) لوصول يد العدالة للمستأجر النصاب.
نأتي الآن للفقرة (ج) من المادة 20 من قانون التنفيذ المعمول به حالياً، والتي تمَّ الأبقاء عليها بالقانون المعدل والتي نصت على ما يلي :
"استئناف القرار غير القابل للاستئناف والقرارالذي سبق تأييده من محكمة الاستئناف للمرة الثانية لا يوقف التنفيذ"
من هذا النص نلاحظ حرص المشرّع على عدم اعطاء الفرصة للمحكوم عليه بالمراوغة بغرض تأخبر التنفيذ بعد أن أخذ المستند التنفيذي الدرجة القطعية وأخذ حقه الكامل بالاستئناف ،وهذا أمر محمود .ولكن ما يحدث على أرض الواقع هو رفض دائرة التنفيذ متابعة تنفيذ السندات التنفيذية التي تحدّثت عنها الفقرة (ج) بحجة أن ملف القضية قد تمَّ نقله إلى محكمة البداية بصفتها الأستئنافية ،وأنهم كدائرة تنفيذ لا يمكن أن ينفّذوا القرار دون أن يكون الملف بين أيديهم ،وهذا ما يمنح المحكوم عليهم الفرصة تلوا الأخرى للاستئناف ، وفي كل مرة لسبب مغاير لا قيمة قانونية له، والغرض من ذلك هو أن يبقى الملف بعيداً عن دائرة التنفيذ لتأخير التنفيذ.
وللخروج من هذه الحلقة المفرغة فلا بد للمشرّع بأن يتيح لدائرة التنفيذ بأن تحتفظ بنسخة من ملف القضايا المندرجة تحت منطوق الفقرة (ج ) من المادة عشرين السالفة الذكر كي تتمكن هذه الدائرة من تنفيذ السندات ،وبغير ذلك تبقى هذه الفقرة البالغة الأهمية غير منتجة ، وبالتالي لم يعد لوجودها أي مبرّر.
موضوع آخر يتوجب الألتفات اليه من قبل اللجنة النيابية القانونية ،وهو تعمد بعض المحكوم لهم تأخير تنفيذ مستند الحكم بغرض الحصول على أكبرقدر من الفوائد المالية قبل التنفيذ ،كما نجد أن البعض يؤجل التنفيذ لعلمهم بأن المدين معسر وأن تقديم المستند للتنفيذ وبما يترتب عليه من دفع رسوم التنفيذ المتزايدة مع قيمة الدين سيزيد من خسارتهم .والحل هنا يكمن بالزام الدائن بتقديم المستند للتنفيذ خلال مدة محددة من تاريخ حصوله على المستند ،وفي حال أثبت الدائن بأن مدينه معسر يتم عندها تأجيل دفع الرسوم لحين قيام دائرة التنفيذ باجراءاتها ويتم بعدها حسم الرسوم من أول دفعة تقوم الدائرة بتحصيلها .
الموضوع الأخير الذي سنتناوله هنا ،هو اضافة الفقرة (ج) للمادة 6 في القانون المعدل والتي تنص على ما يلي "السندات العادية و الأوراق التجارية القابلة للتداول اذا كانت قيمتها لا تزيد عن عشرة الاف دينار ويستثنى من ذلك السندات المقدمة من الشركات المساهمة العامة".
عند مناقشة هذه الفقرة من قبل الحضور لآخر جلسة تمت لمناقشة القانون، وقع خلاف بالرأي على دستوريتها، فرأى البعض بأنه قد تمَّ اعطاء امتياز للشخصية الاعتبارية (البنوك مثلاً) بتنفيذ سندات قيمتها أكثر من عشرة آلاف دينار، في حين حرمت الشخصية العادية (الفرد) من هذا الامتياز. وتحقيق التوزان لهذه الفقرة يتم إما بإلغاء الأستثناء الوارد بها، أو باعطاء الشخصية العادية (الفرد) حق تنفيذ مستندات تزيد قيمتها عن عشرة آلاف دينار بحق الشركات المساهمة العامة.