لماذا ارتفعت رسوم المحاكم الشرعية .. ؟حسين الرواشدة
30-07-2015 03:55 AM
حين دعوت منذ سنوات الى ضرورة اصلاح المؤسسات الدينية ، كنت اتمنى ان يلتقط اخواننا القائمون عليها الدعوة بما تستحقه من اهتمام حرصا على ثقة الناس بما تجسده من نماذج يفترض ان تكون بمستوى حرصنا جميعا على الدين الذي تمثله وتعمل في اطاره. اليوم ، اجدني مضطرا لاعادة التذكير بهذه الدعوة ، ليس فقط لان اصداءها لم تصل للمعنيين وانما ايضا لانني استغرقت على مدى الاسابيع المنصرفة بالبحث في واقع هذه المؤسسات ، واستمعت للعديد من المتابعين وبعض اصحاب العلاقة والمواطنين ايضا حول ملاحظاتهم عليها ، كما انني - للاسف - صدمت مما ورد في التقرير الاخير الذي اصدره ديوان المحاسبة من تجاوزات في اداء بعض هذه المؤسسات. اعد القارئ الكريم بتسجيل ما وصلني من معلومات وملاحظات بعد ان اكمل التدقيق فيها ، لكنني استأذن هنا بالوقوف امام نظام صدر قبل نحو اسبوعين يتعلق بـ “ رسوم المحاكم الشرعية “ ، ومع ان المحاكم الشرعية جزء من الحقل الديني الذي اشرت سلفا الى ضرورة اصلاحه وتطويره، الا انني سأتناول في هذه المقالة هذا النظام فقط ، ليس لانه يعبر عن “روح” الاجراءات التي تتم في هذه المحاكم ، وانما لانه يتعامل بمنطق “الجباية “ - آسف لاستخدام الكلمة - الذي تتعامل به الحكومات مع الناس في كافة شؤونهم ، فكيف اذا كانت هذه الشؤون تتعلق “باحوالهم الشخصية” وتستمد مشروعية احكامها من الدين الحنيف الذي يدعو الى التيسير على الناس وعدم تحميلهم فوق طاقتهم ، خاصة وان معظم “ مراجعي “ هذه المحاكم من الفقراء والمعوزين ، كما ان اوضاع بلدنا الاقتصادية لا تحتمل مزيدا من الضرائب ورفع الرسوم. حين قرأت خبر صدور هذا النظام في وسائل الاعلام استوقفتني اشارات عابرة ذكرت ان رسوم الزواج والطلاق تم زيادتها ، لكن حين عدت لقراءة مواد النظام ( عددها 63 مادة ) اكتشفت ان رسوم كل الدعاوى التي تختص المحاكم الشرعية بالنظر فيها ارتفعت ، كما اكتشفت ان هنالك مبالغات في فرض رسوم على معاملات لا تكلف الا مبالغ بسيطة ، ووجدت ايضا ان عبارة “ تصرف لمستحقيها “ تكررت اكثر من مرة واقترنت بفتح حساب امانات مركزي تودع فيه اية امانة او بدل او اجر يتم استيفاؤه بموجب هذا النظام ، فيما لم يحدد النظام من هؤلاء الذين يستحقون الصرف ، ولا من هي الجهة التي تقرر ذلك ولا في اي المجالات يصرف. بموجب هذا النظام يترتب على كل من يريد ان يرفع دعوى طلاق او اثبات كل طلقة من الطلقات الثلاث او الاذن بالسفر او منعه او اثبات الردة..الخ ان يدفع رسما مقطوعا مقداره (25) دينارا ، كما يترتب عند تسجيل اي دعوى “للطاعة “ او ابطال الاذن او تصحيح التخارج..الخ دفع رسم مقداره (30) دينارا ، كما تنص المادة (7) على ان رسم تسجيل الدعوى للرؤية والاصطحاب والاستزارة والمبيت مقداره (15) دينارا ، وفي المادة (8) يفرض النظام رسما نسبيا مقداره (3%) من قيمة المبلغ المدعى به في اي دعوى مطالبة او منع مطالبة ، على ألاّ يقل الرسم عن (30) دينارا ولا يزيد عن (100) دينار. عند تسجيل عقد الزواج يستوفى بموجب هذا النظام رسم مقداره (25) دينارا ( يضاف اليه عشرة دنانير للمأذون) اما في حالة عقد الزواج لشخص متزوج بأخرى على قيد الحياة فيرتفع الرسم الى (80) دينارا يضاف اليها عشرة دنانير للمأذون الشرعي ايضا. فيما يتعلق بالتركة ، تتقاضى المحكمة عند تقسيمها رسما نسبيا مقداره (3%) من نصيب كل وارث بعد حسم النفقات والديون ومصاريف التركة على ألاّ تتجاوز قيمة الرسم (5) آلاف دينار. المادة (43) تنص على فتح حساب امانات مركزي تودع فيه اي امانة او بدل او اجر تم استيفاؤه بموجب هذا النظام واي تشريع آخر ناظم لاعمال المحاكم وتصرف لمستحقيها وفقا للاصول المحاسبية. هنالك مديرية تسمى (الاصلاح والتوفيق الاسري)، وبموجب المادة (46) فان البدل الذي يدفع للمصلح او الوسيط العائلي المختارين من طرفي النزاع عن النزاع المحال اليه في احوال خاصة بموافقة المديرية، هذا البدل لا يقل عن (50) دينارا ولا يزيد على (150) دينارا . لا اريد عن اسأل عن الاسباب التي استوجبت اصدار هذا النظام وما طرأ على الرسوم من زيادات ، لكن سأكتفي باثبات هذه المواد التي وردت فيه على سبيل الاشارة فقط واترك للقارئ العزيز ( ناهيك عن المعنيين) ان يدققوا في ثلاث مسائل، الاولى : مقدار الزيادات التي استجدت على الرسوم مقارنة بما ورد في النظام الذي صدر عام 2010، الثانية : نسبة ال (3%) التي حددت على الدعاوى المتعلقة بالمبالغ المالية ، سواء عند تقسيم التركة او عند تنفيذ السند التنفيذي او عند تسجيل “”الحجة “ المالية،اما المسألة الاخيرة فهي نوعية الخدمة التي تقدمها المحاكم وفيما اذا كانت تتناسب مع رفع الرسوم في النظام الجديد. بقي لدي ملاحظة اخيرة وهي انني لا يمكن ان اهوّن من المهمة الجليلة التي تقوم بها المحاكم الشرعية ، ولا اقلل من جهود العاملين فيها ، كما انني اقدر ما ينهض به سماحة قاضي القضاة واخوانه من مسؤوليات ،الا انني لم استطع ان اهضم او “ابتلع” هذا النظام الجديد ، واتمنى ان يعاد النظر فيه رحمة بالفقراء الذين اضطرتهم ظروفهم للبحث عن حقوقهم في المحاكم الشرعية.. ارجو ألاّ يذكرني احد ان المحاكم المدنية تتقاضى رسوما اعلى على الدعاوى ، فانا اتحدث عن محاكم شرعية غايتها التيسير على الناس وخدمتهم فيما يصلح دينهم ودنياهم بأقل كلفة وبأفضل ما يكون .
|
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة