كوميديا التغييرات الحكومية
28-07-2015 05:56 PM
يستمتعُ الأردنيون بكوميديا التغييرات الحكومية، تُثيرُ اهتمامهم أكثرَ من ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، أو حتى أسعار الخبز. الكل لديه معلوماتٌ موثقةٌ أنّ الملك "كلّف فلاناً" وأنه اختارَ فريقه الوزاري. تداولُ أسماء الوزراء المرشحين متعةٌ أردنيةٌ لا تُضاهي.
الكوميديُّ في هذا الشأن، أن الأردنيين خبراءُ فعلاً في هذا الشأن. فهم يعرفون على من يأتي الدورُ هذه المرة.
نسبة الخطأ قليلة جداً. يعرفون ان رئيس الوزراء المقبل سيكون من هذه المحافظة أو تلك المنطقة، أو من تشكيلٍ اجتماعي أو اقتصاديّ معين، التحليلات غالباً صائبة، وهذا مردّهُ الى خبرة متراكمة، فالحكومة تدومُ عندنا عاماً أو أكثر، وتُصوّبُ أخطاء التشكيل بتعديلٍ يُرضي هذه العشيرة، أو ذلك المُكوّن. ثُمَّ من أين يأتي رئيس الوزراء إذا لم يكن من صندوق التدوير، إِيَّاه. وذلك أكثر تجليات الكوميديا بؤساً.
المُضحك في بؤسهِ، أنّ الأردنيين يعرفون أن منصب رئيس الوزراء، لا يُعوّلُ عليه، إلا لأغراض الوجاهة الاجتماعية. ثمة لقب "دولة" وموكب سيارات وحراسة، وإعلام مُدرّب على متابعة الرئيس. كما أن الرئيس من عشيرتنا، أو محافظتنا، ولذلك فنحن "كرسيّ البلاد" .. ونفخرُ، "ونشربُ إذا وردنا الماء صفواً/ ويشربُ غيرنا كدراً وطينا".
لا ننسى ذلك "الامتاع والمؤانسة" في مشهد التكليف كله، والردّ عليه، وهو إنشاءٌ محفوظٌ، يُتوّجُ بأداء اليمين الدستورية، ثم يصطف الرئيسُ وطاقمه الحكوميُّ، بتواضعٍ جمٍّ، لتقبَل التهنئة من الجماهير الغفيرة المتحمسة، فآخرُ ما يريده الأردنيُّ أن يعتب عليه الرئيس إذا لم يتكبّد مشقة الوقوف في طابور طويل ويصافحه، متمنياً له التوفيق. إنها بيعةٌ قبليَّة بايقاعٍ بدويٍّ خاص.
لا تكتملُ الكوميديا الا بتنافس الصحفيين على تحليل معنى التغيير الحكومي: نظراً لمقتضيات المرحلة. من أجل المتغيّرات في المنطقة، لمواجهة استحقاقات اﻻصلاح، لإيجاد حلول ناجعة للازمة الاقتصادية. هذه حكومة بيروقراط لضبط التسارع نحو الخصخصة. تلك حكومة تكنوقراط لمعالجة الترهل ومواكبة "رؤى" اصلاحية في الديمقراطية والتشريعات والمؤسسات، وضخّ دماء قوية في السلطة التنفيذية... الخ من المحفوظات والاسطوانات المألوفة والمملة.
لا يخرجُ تحليلٌ عن مفردات هذا القاموس، ولا تسألوا عن النتائج الملموسة. الأردنيون أنفسهم لا يأملون من أي تغيير حكوميّ شيئاً، ولذلك لم تُخيّب لهم الحكوماتُ أملاً، فهم يعرفون البئرَ جيداً، ويعرفون الغطاء الذي يِلائمها، ولكنهم يستمتعون.
تخيّلوا أيّ متعة ضائعة ومهدورة إذا كانت لدينا حكوماتّ منتخبة.. !