زرت خلال الأيام القليلة الماضية عدة جامعات بريطانية من أجل التباحث حول بعض مجالات التعاون، وخاصة تبادل أعضاء هيئة التدريس والطلبة، والبرامج الجامعية المشتركة، ولم أجد ما أضيفه لما كنت أعرفه عن المستوى الذي بلغه التعليم العالي والبحث العلمي في المملكة المتحدة التي أنشت فيها أول جامعة عام 1096 وهي جامعة «أكسفورد» الشهيرة التي تتنافس تاريخيا مع جامعة «كامبريدج» التي أنشئت عام 1209.
جامعات كثيرة في بريطانيا، بعضها تشكلت حولها مدن بأكملها، وهي لذلك تلعب دورا محوريا في الحياة العامة، كما أنها تسهم في الاقتصاد البريطاني بمداخيل تفوق الستين مليار جنيه استرليني سنويا نتيجة استقطابها لطلبة من جميع أنحاء العالم، فضلا عن الأبحاث العلمية المرتبطة بعمليات التطوير والانتاج والابتكار والتي تشكل حوالي ثمانية بالمئة من مجمل ما ينشره العالم بأسره، ولعل استقلاليتها ونوعية إدارتها ورقي أدائها ومخرجاتها يفسر المستوى الذي وصلت إليه.
الذين تباحثت معهم بلا استثناء، لديهم فكرة جيدة عن التعليم العالي في بلدنا الأردن، ولعلهم ينظرون إلى الفارق الزمني بين نشأة التعليم العالي في بريطانيا ونشأته في الأردن، ويأخذون في الاعتبار الكثير من العوامل المرتبطة بحجم الدول وموقعها الجغرافي وواقعها الاقتصادي والاجتماعي، فيعمل هنا منطق النسبة والتناسب !
المهم أنهم منفتحون على كل أشكال التعاون ما دام هناك من يريد أن يصبح طرفا في عملية مدروسة تحقق الفائدة لطلبة التعليم العالي والباحثين اينما كانوا، وحين تجلس على طاولة المباحثات لا أحد يشعرك بالتفوق أو التكبر أو التغني بالأمجاد، إنهم أشخاص عمليون واقعيون، مستعدون للتجاوب مع ما أنت مستعد له حين تصبح طرفا آخر يرغب في التعاون بناء على عناوين واضحة.
ونتيجة لذلك شعرت طوال الوقت أن الصورة التي رسمناها لواقع التعليم العالي والبحث العلمي في بلدنا عكست تذمرنا من كل شيء، وطريقتنا في تقييم بعضنا البعض، ونظرتنا غير الموضوعية لمؤسساتنا وانجازاتنا، أكثر مما عكست الواقع العملي لهذا القطاع الذي ما زلنا ننظر إليه دون أن نعرف ما إذا كنا نقف في المكان المناسب لكي نراه بصورة جيدة!
yacoub@meuco.jo
الرأي