في غياب التسامح والاعتراف بحق التعايش السلمي رغم الاختلاف لا يمكن لثقافة الاعتذار والنقد الذاتي ان تصبح مناخا سائدا سواء من الناحية الاجتماعية او السياسية او العقائدية، فما يقابل ثقافة الاعتذار الانكار والمكابرة، حيث يصبح من تأخذه العزّة بالاثم اكثر عنادا واصرارا على ما اقترف من اخطاء.
والاخطاء في حالة الاصابة بالعمى عن رصدها والاعتراف بها تصبح خطايا، وما كان مجرد سوء تفاهم قد يتحول الى خصومة مزمنة وهناك حروب اهلية بدأت باردة ثم تعهّد الغلاة والراديكاليون باشعالها فأتت على الاخضر واليابس والظالم والمظلوم معا!
ثقافة الاعتذار تتطلب شروطا ليست في مُتناول مجتمعات تعاني من تراكم المكبوتات ومن الاحتقان، ومن الاحتكار الذي يفضي بالضرورة الى الاحتقار، وما كان للحضارة المعاصرة ان تبلغ ما بلغته من الاحتضار والتآكل والنزاعات لو انها اهتدت مبكرا الى أدبيات الاعتذار، فالحقبة الاستعمارية التي امتص فيها الاقوياء وبالتحديد الرجل الأبيض نخاع الشعوب لا يمكن تجاوزها وطي ملفها الاسود بدون اعتذارات مزدوجة، معنوية واخلاقية من جهة ومادية تعويضية من جهة اخرى، لكن من تورطوا بالانكار والمكابرة واخذتهم العزة بالاثام كلها يصعب عليهم التراجع، ظنّا منهم انه دليل ضعف والحقيقة انه تعبير عن فائض القوة والتوازن النفسي واحترام الذات، فمن لا يقدر كرامة الاخر ولا يقيم وزنا لمشاعره هو كائن لم يجرب الكرامة لأن من هان يسهل الهوان عليه.
ان هذا النمط من الثقافة ذات البعد الاخلاقي يتطلب تأهيلا تربويا، ورعاية تتولاها دول ومؤسسات، لأن من تقودهم الغرائز وحدها الى اقتراف جرائم ضد الانسان لن يستجيبوا للمواعظ او حتى الردع المباشر.
فالمسألة كلها من ألفها الى يائها تربوية وثقافية، والمفارقة ان عصرنا بما آل اليه من تجريف للوعي والاخلاق اصبحت الضحية فيه هي المطالبة بالاعتذار.
الدستور